التآخي – وكالات
بعد أوكرانيا، تصاعد الموقف في كوسوفو، مهددا باندلاع نزاع مسلح جديد في قلب أوروبا التي عليها أخذ الوضع بجدية، بحسب معلقين ألمان وأوروبيين.
واضطرت قوات حفظ سلام التابعة لحلف الناتو للتدخل للفصل بين صرب كوسوفو ومسلميها، في مشاهد أججت ذكريات مؤلمة لبلد مُقسم عرقيا وسياسيا يجد صعوبة في معالجة بناءة لجراح تاريخية لم تندمل بعد.
القصة بدأت باحتجاجات عنيفة يوم (الاثنين 29 أيار 2023) في بلدة زفيتشان شمالي كوسوفو، أدت إلى إصابة ما لا يقل عن خمسين شخصا من المحتجين وثلاثين من قوات الأمن. موقف دفع بحلف شمال الأطلسي لزيادة عديد قواته حيث أرسل 700 جندي إضافي إلى عين المكان لدعم قواته هناك المؤلفة من 4.000 جندي.
وتعود الشرارة الأولى للتصعيد الجديد إلى الانتخابات التي أجريت في شهر نيسان الماضي التي قاطعها صرب كوسوفو بالكامل مما نسف شرعيتها، اذ لم تتجاوز نسبة المشاركة 3.5%. هذه المقاطعة الواسعة للصرب أسفرت عن مفارقة انتخابية شاذة، منحت الفوز في أربع بلديات ذات غالبية صربية، إلى مرشحين من العرقية الألبانية. نتيجة حولت المنطقة لبرميل بارود قابل لانفجار في كل لحظة.
رؤساء البلديات الجدد، جرى تنصيبهم وسط أجواء مشحونة الأسبوع الماضي، في خطوة لم تثر فقط حفيظة صرب كوسوفو، ولكن انتقدتها أيضا الولايات المتحدة وباقي حلفائها الغربيين، بمن فيهم الداعمين لبريشتينا. وبرغم أن تلك الانتخابات كانت قانونية في شكلها، إلا أن مقاطعة الصرب أفقدتها مصداقيتها. ومنذ ذلك الحين وصرب كوسوفو يتظاهرون مطالبين بإبعاد رؤساء البلديات من مناطقهم. وبهذا الصدد حمًلت صحيفة “نيبسزافا” المجرية، وإلى حد كبير مسؤولي ألبان كوسوفو المسؤولية في التصعيد وكتبت “لا الجالية الصربية في شمال كوسوفو ولا الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بإمكانهما تغيير حقيقة خروج الوضع عن مساره، إن رئيس حكومة كوسوفو، ألبين كورتي، يتحمل قدرًا كبيرًا من المسؤولية، لقد أفسد كورتي علاقاته مع الغرب مرارًا وتكرارًا، فهو غير مستعد لمنح صرب كوسوفو المزيد من الحقوق”.
وأمام خطر انزلاق الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه، بادر كل من المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى تنظيم انتخابات جديدة في البلديات موضوع الخلاف في شمال كوسوفو. وطالب الزعيمان رئيسة كوسوفو فيوزا عثماني بتنظيم اقتراع لنزع فتيل أزمة قد تتطور إلى نزاع مسلح، يعيد المنطقة إلى المربع الأول. وجرى ذلك في القمة الأوروبية في مولدوفا (في الأول من حزيران). برلين وباريس ضغطتا أيضا على بلغراد بدعوة الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بالتأكد من مشاركة صرب كوسوفو في الانتخابات في حال إعادتها. رئيسة كوسوفو وعدت بالتفكير في الموضوع، ما قد يفتح أفقا للخروج من المأزق الحالي.
صرب كوسوفو الذين يشكلون، أقلية في عموم البلاد وغالبية في أربعة بلدات فقط، وهم لا يعترفون أصلا بسيادة بريشتينا لا يخفون ولاءهم لبلغراد، فيما يشبه جمرا تحت الرماد تتغذى منه الأزمة الحالية، وهذا ما يفسر مقاطعتهم للانتخابات البلدية الأخيرة. كما أن صربيا وبدعم من حلفائها الروس والصينيين، ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي أُعلن عنه في عام 2008 بعد عقد من حرب دامية بين القوات الصربية والمتمردين الألبان الانفصاليين.
من جانبها سارعت موسكو على لسان دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للتعبير عن موقفها تجاه تطورات الأوضاع في البلقان، مشددة على دعمها للسكان الصرب في كوسوفو، داعية إلى ضرورة حماية مصالحهم وحقوقهم القانونية. وقال بيسكوف “ندعم صربيا والصرب دعما غير مشروط… ونعد أنه يجب مراعاة جميع الحقوق ومصالح صرب كوسوفو”، مضيفا أنه لا يجب إفساح المجال “لأفعال استفزازية”.
يذكر أن روسيا تجمعها علاقات ثقافية ودينية وثيقة مع الصرب الذين ينتمون أيضا للقومية السلافية. دينيا يتبع الصرب أيضا الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا. وألقت موسكو باللوم على كوسوفو والدول الغربية وحملتها مسؤولية تصعيد حدة التوتر في منطقة البلقان.
ولم تتردد واشنطن وحلفاؤها الغربيون في تحميل كوسوفو المسؤولية المباشرة في تأزيم الوضع مع الصرب، منتقدين استعمال القوة وفرض تنصيب رؤساء البلديات في المناطق ذات الغالبية الصربية في كوسوفو، فتولد إجماع على أن ألبان كوسوفو مسؤولون عن تقويض الجهود الدولية لبناء علاقات، متدهورة أصلا، بين أطراف النزاع في كوسوفو. وزير الخارجية الأميريكة أنتوني بلينكن عبّر عن استيائه تجاه حكومة رئيس الوزراء ألبين كورتي عادا أنه تسبب في “تصعيد للتوتر بشكل حاد وغير مبرر” بعد إصراره على تعيين رؤساء بلديات الألبان في المناطق الصربية. واشنطن لم تكتف بالنقد اللفظي، وإنما علّقت أيضا مشاركة كوسوفو في تدريبات عسكرية جارية كخطوة للتعبير عن غضبها تجاه سياسة بريشتينا. من جهته، ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نفس الاتجاه.
وأصر رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي على بقاء الشرطة في الأجزاء الشمالية من البلاد برغم الرفض والاحتجاجات التي تلاقيها من قبل السكان الصرب، في تحد واضح لدعوات حليفه الأمريكي بهذا الصدد. وقبلها تجاهل كورتي دعوات حلفائه الغربيين لإلغاء الانتخابات المحلية التي تسببت في اندلاع الأزمة، مما جعله يظهر كمن يسكب الزيت على النار. وبهذا الشأن نقلت وكالة بلومبرغ (31 أيار) عن كورتي قوله، في مؤتمر “غلوبسيك” للأمن الدولي في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا “طالما كانت هناك هذه المجموعة العنيفة بالخارج مستعدة للهجوم… يجب أن يكون لدينا وحداتنا الخاصة في مباني البلدية”. واشنطن دعت أيضا صربيا لسحب قواتها، بعد أن وضعها الرئيس، الكسندر فوتشيتش، في حالة تأهب.