متابعة – التآخي
عد مراقبون للشأن السوداني بأن الذهب الذي يزخر به هذا البلد هو من بين أسباب الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع. كما أوضحوا أن شركات أجنبية منها الصينية والروسية تستورد هذا المعدن النفيس الذي ينتج منه السودان أكثر من 100 طن سنويا لا يذهب منه سوى 30 طنا إلى خزينة الدولة. هذا وحذّر دبلوماسي أمريكي من أن “من لديه الذهب لا بد أن يواصل الحرب” مستبعدا نهاية المعارك إن لم تُجفف مصادر تمويل المتحاربين.
وتواصلت المواجهات في السودان الجمعة وسمعت أصداء قصف مدفعي في الخرطوم، فيما قرر الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الأربعاء تعليق مشاركته في محادثات برعاية سعودية-أمريكية لوقف إطلاق النار.
وبالنسبة إلى دور الذهب في الأزمة التي وقعت بين الحليفين العسكريين السابقين البرهان وحميدتي، وأهمية الذهب فيما يحدث اليوم، أوضح خبراء بأن الحرب الجارية في السودان كشفت عن مسألة مدى أهمية الذهب والتنقيب عنه في هذا البلد، وعدوا ان الذهب هو أصلا من الأسباب الرئيسة لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع والخلاف الذي وقع بينهما، بحسب وصفهم.
و أوضح الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي أبو بكر الديب بأن ثروات الشعب السوداني تستغل في الصراع الدائر حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقال “السودان من أهم منتجي الذهب في القارة الأفريقية والثالث عشر بين البلدان المنتجة للذهب في العالم. يحاول طرفا الصراع السيطرة على المعدن الأصفر، ما جعل السودان واحدا من أكثر البلدان فقرا برغم أنه يعوم على بحر من الثروات وتصل احتياطيات من الذهب إلى 1550 طنا. كما توفر صناعة الذهب في السودان موارد هائلة وثروة يتم تهريبها إلى الخارج لينفق منها على الحرب الأهلية”.
وقال تيبور ناجي المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، إن الحل الوحيد هو “ضمان عدم حصول كل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان حميدتي (حميدتي) على مزيد من الأسلحة الإضافية وضبط دخول الموارد المالية إلى السودان”.
وأكد الدبلوماسي الأمريكي على أن “من لديه الذهب وموارد مالية تأتيه من دول الجوار لا بد أن يواصل الحرب”.
وتدير عائلة حميدتي جزءا كبيرا من مناجم الذهب في السودان، ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر في أفريقيا، وبالتالي فحميدتي “يستطيع أن يدفع رواتب عناصر الدعم السريع ولايمكن لكثيرين في أفريقيا جنوب الصحراء مجاراته فيها”، حسبما قال الباحث أندريا كريغ من “كينغز كولدج” في لندن، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وتسمح عائدات الذهب بتمويل “الميليشيات” التي تشكل الاستعانة بها منذ عقود نشاطا مربحا في السودان. فقد لجأت الخرطوم إلى الميليشيات من قبل إما لتوكل لهم قمع الأقليات الإثنية وحركات التمرد المسلحة أو لإرسالهم للمشاركة في حروب في الخارج، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية. واليوم، باتت قوات الدعم السريع لا تتوانى في نشر مقاطع فيديو على المنصات لمقاتلين في تشاد أو النيجر يعلنون دعمهم لها.
الأمر نفسه أورده موفد الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتيس. فقد صرح أن “عدد المرتزقة الذين جاؤوا من مالي وتشاد والنيجر بدعم من قوات الدعم السريع لا يستهان به”. وأضاف الباحث أندريا كريغ أن “تشاديين انضموا فعلا خلال السنوات الأخيرة إلى قوات الدعم السريع من أجل الرواتب”.
وبلغة الأرقام، يلفت الباحثون إلى أن السودان “أنتج عام 2022 ما يصل إلى 18,6 مليون طن من الذهب بزيادة قدرها 611 كيلوغرام عن 2019، لكن هذا لا يمثل سوى 50 بالمئة من إجمالي الإنتاج حيث تختفي النسبة الأخرى التي يتم إنتاجها بشكل غير رسمي. بلغ إنتاج منجم ’هاساي‘ لوحده منذ اكتشافه حوالي 14,09 مليون طن ذهب”، مردفين القول “تصل قيمة حصيلة إنتاج الذهب في السودان بالإمكانيات الحالية إلى نحو 5,5 مليار دولار سنويا، يجري نهب 4 مليارات دولار منها لصالح الأطراف المتصارعة. توجد مناجم الذهب في صحارى وجبال شرق نهر النيل وفي محاذاة البحر الأحمر وأعلى سلسلة جبال البحر الأحمر وأيضا في مناطق جبال النوبة ومنطقة كردفان ودارفور. لكن اتساع الحرب واستمرارها سيكبد الاقتصاد السوداني وخزينة الدولة خسائر كبيرة وتزيد من متوسط معدلات التضخم، التي بلغت نسبتها 700 بالمئة وسيفقد السودان 2,5 مليار دولار من عائدات الذهب”.
وينوه الباحثون الى ان “ذهب السودان يتميز بمعدلات تركيز عالية جدا إذ يحتوي كل طن من الخام المستخرج على 100 غرام من الذهب. هناك جهات دولية تعمل على سرقة ثروات السودان في غيبة من القانون الدولي”. وأوضح بأن الشركات العاملة في مجال التنقيب عن الذهب في السودان والبالغ عددها 423 شركة، “تستحوذ على حوالي 300 كلم مربع من أماكن الامتياز، عدا عما يتم إنتاجه بشكل غير رسمي”.
كما لفتوا إلى أن “البنك المركزي السوداني أصدر في مارس/آذار 2022 تعميما لبنوك البلاد بحظر تصدير الذهب من الجهات الحكومية والأجانب الأفراد والشركات، وقصر عمليات التصدير على الشركات التي لديها امتياز عمل في مجال التعدين فقط، بل وقصر دور البنك المركزي في سوق الذهب على عمليات الشراء لبناء الاحتياطيات فقط”.
واوضحوا ان “السودان ينتج أكثر من 100 طن سنويا من الذهب يذهب منه فقط 30 طنا إلى خزينة الدولة فيما يتم تقاسم الباقي بين الرجلين القويين في البلاد، عبر خمس أو أكثر من خمس شركات تعمل في مجال التنقيب عن الذهب، تتبع هذه الشركات للصين، روسيا، إيطاليا، ودول أخرى. لكن الملفت للنظر هو أن روسيا تعمل عبر خطين متوازيين: شركات روسية تتبع للحكومة وأخرى تتبع لشركة فاغنر، ويبدو أن الأخيرة هي أحد أسباب الخلاف أيضا، يؤيد هذه الفرضية كون غالبية هذا الذهب يتم نقله بعد استخراجه إلى روسيا، وأيضا إلى الإمارات العربية المتحدة التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع السودان سواء مع الجيش أو قوات الدعم السريع”.
في هذا الشأن، قال ألكس دوفال الخبير في الشؤون السودانية لوكالة الأنباء الفرنسية إن “المال والقتال قابلان للتبادل في السوق السياسية السودانية”. مضيفا أن “حميدتي يتاجر في الاثنين”. وهو يعتبر أن “قوات الدعم السريع باتت الآن شركة خاصة للمرتزقة عابرة للحدود وشركة لاستخراج وبيع الذهب والذراع المسلحة للإمبراطورية التجارية لحميدتي”. وفي حال ربح حميدتي الحرب “ستصبح الدولة السودانية فرعا لهذه الشركة العابرة للحدود” حسب نفس المصدر.