متابعة – التآخي
تغير المناخ لا يهدد فقط جودة الحياة على كوكب الأرض، بل كذلك غذاء البشر واقتصادات كثير من الدول، ولو استمر الأمر على ما عليه، فالنتائج ستكون وخيمة، فيما أكدت دراسة تواجد خسائر كبيرة لظواهر تطرّف الطقس.
ومواجهة تغيّر المناخ ليس شأناً حكومياً صرفاً، هي مسؤولية الكل، بخاصة عندما ستعلم أن جيبك هو الآخر سيتأثر سلباً بهذا التغير على وفق ما يؤكده البروفيسور غاري يوهي، وهو، أستاذ الاقتصاد والدراسات البيئية في جامعة ويسليان الأمريكية.
ويستشهد يوهي بدراسة قام بها عدد من الباحثين في جامعة إلينوي تبين أن تقليل التلوث بنسبة 90 في المئة ووقف الاحتباس الحراري بـ 1.5 درجة مئوية بحلول 2100 سيجنب الكثير من دول العالم النمو الاقتصادي البطيء.
ويشير في مقال على يورونيوز إلى أن التكلفة المنخفضة للألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم وغيرها تجعل التكاليف العامة منخفضة، مبرزاً أنه إذا جرى توحيد جهود الوزارات والمؤسسات المالية مع جهود المؤسسات البيئية فإنه ليس فقط صحة كوكب الأرض التي ستتحسن، بل كذلك ثروات السكان.
ومن أكبر الأمثلة التي أعطاها البروفيسور أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى زيادة الأمراض الفطرية في القمح، ما يعرّض مصادر الغذاء للخطر، كما يمكن للأزمة أن تؤدي إلى مشكلات كبيرة في الأسواق المحلية والإضرار بالتجار.
كما تؤدي التقلبات المناخية والتأثير الكبير على مواسم هطول الأمطار إلى ضرر كبير في المحاصيل الزراعية، ما ينجم عنه سوء التغذية، وهي ظواهر قديمة لكن قد تزداد حدتها مستقبلا.
ويقترح البروفيسور غاري يوهي أن يجري منح الشركات حوافز مالية للامتثال لقواعد تعزيز اقتصاد منخفض الكربون، ومن ذلك حوافز ضريبية، بدل إنفاق المليارات على تدابير أخرى قد تكون أقل تأثيراً.
وفي سياق آخر، أظهر بحث جديد أن الخسائر المالية الناجمة عن ظاهرة “إل نينو” المناخية العالمية، باقية لعدة سنوات وتكلف تريليونات في صورة دخل مفقود، بجميع أنحاء العالم.
ودرس الباحثون في كلية “دارتموث” في الولايات المتحدة النشاط الاقتصادي العالمي، في العقود، التي تلت أحداث ظاهرة “إل نينو” في عامي 1982 و1983 وعامي 1997 و1998، ووجدوا “تأثيرا متواصلا” تمثل في النمو الاقتصادي المتباطئ، بعد ذلك بأكثر من خمس سنوات.
ووجدت الدراسة، التي جرى نشرها في مجلة “العلوم” أن الاقتصاد العالمي تراجع بواقع 4.1 تريليون دولار و5.7 تريليون دولار في نصف عقد من الزمن، بعد كل من الحدثين، وتتحمل معظم وطأته أفقر دول العالم في المناطق الاستوائية.
وعادة ما تتسبب ظاهرة “إل نينو” في حدوث جفاف شديد في استراليا، وأجزاء من أفريقيا وأمريكا الجنوبية وفي هطول أمطار غزيرة، على طول الساحل الأمريكي بالمحيط الهادئ.
وكان خبراء قد حذروا من أنه بحلول منتصف القرن، سيخسر العالم نحو 10% من إجمالي القيمة الاقتصادية بسبب تغيّر المناخ، حال استمرار الوضع الحالي من زيادة درجات الحرارة وعدم الوفاء باتفاقية باريس وأهداف الحياد الكربوني لعام 2050، وفقًا لبحث صادر عن شركة التأمين السويسرية سويس ري (Swiss Re).
وفي حال عدم اتخاذ أي إجراء للتخفيف من تداعيات تغيّر المناخ، قد ترتفع درجات الحرارة العالمية بأكثر من 3 درجات مئوية؛ ما قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى انكماش نسبته 18% في الأعوام الـ 30 المقبلة، بحسب البحث.
وهذا يبرز أهمية تسريع التحوّل للطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية، ليس لأنه يقلل من تداعيات تغيّر المناخ فحسب؛ بل لأن بإمكانه دفع نمو الاقتصاد العالمي بنحو 2.4% أكثر من المتوقع للخطط الحالية في العقد المقبل، بحسب تقرير آفاق تحولات الطاقة، الصادر هذا العام عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا). وكان للتقدم الاقتصادي الذي تحقّق في الـ 6 عقود الماضية، إلى جانب النمو السكاني الكبير، تكلفة بيئية هائلة.
وفي حين إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد زاد بنحو 3 مرات تقريبًا منذ عام 1960 وحتى الآن، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون صعدت 4 مرات في المدة نفسها.
وتُمثّل أكبر 3 دول مصدّرة للانبعاثات في العالم -الصين والولايات المتحدة والهند- نحو 50% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، كما تُشكّل أكبر 20 دولة مصدّرة للانبعاثات في العالم 80% من الإجمالي، وفقًا للتقرير.
وتجدر الإشارة إلى أن قائمة أكبر الدول المسبّبة للانبعاثات تشمل البلدان المتقدمة والنامية على حدّ سواء، مما يُظهر بوضوح أن انبعاثات الكربون المرتفعة تمثّل مشكلة عبر فجوة التنمية.
ووفقًا للتقرير؛ فإن مسار خفض درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية سيوفر نحو 122 مليون وظيفة متعلقة بالطاقة بحلول عام 2050، وهو ما يتجاوز ضعف عدد الوظائف المسجلة عام 2019 عند 58 مليون وظيفة.
وأشارت الدراسة إلى أن تغير المناخ يؤثر في مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية، من تلف المحاصيل الزراعية إلى فشل التبريد في مراكز البيانات القائمة على السحابة، بحسب تقرير نشره موقع “ساينس ديلي” (sciencedaily)، مضيفة أن من غير الواضح ما إذا كان يمكن لاقتصاد بلد ما التعافي سنويًا من هذه الآثار، أو إذا كانت الزيادات في درجات الحرارة العالمية تسبب آثارًا دائمة ومتراكمة في اقتصاد السوق.