متابعة – التآخي
للمرة الأولى في تاريخها ستقام جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في تركيا، بعد فشل جميع المرشحين في الحصول على أغلبية مطلقة من الجولة الأولى. وستقام جولة الإعادة في 28 مايس بين الرئيس أردوغان ومنافسه الرئيسي كليجدار أوغلو.
وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا يوم الاثنين (15 أيار 2023) أن جولة إعادة للانتخابات الرئاسية ستجري بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه الرئيس كمال كليجدار أوغلو في 28 أيار، إذ لم يصل أي منهما إلى نسبة 50 بالمئة المطلوبة للفوز من الجولة الأولى.
وأضاف رئيس اللجنة أحمد ينر في تصريحات للصحفيين أنه مع بقاء نحو 35 ألف صوت لم تُفرز بعد، حصل أردوغان على 49.51 بالمئة من الأصوات وحصل منافسه كليجدار أوغلو على 44.88 بالمئة.
وستعتمد نتيجة الجولة الثانية جزئياً على مرشح ثالث هو سنان أوغان (قومي متطرف) بعد فوزه بنحو 5.2 في المئة من أصوات الجولة الأولى، غير أنه لم يُعلن بعد إن كان سيدعم أحد المرشحَين
ويظهر أن تحالف الشعب بزعامة أردوغان، الذي يضم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية وأحزاباً أخرى قومية، بصدد الفوز بأغلبية في البرلمان الجديد بالحصول على 321 مقعداً من أصل 600 مقعد، مما يعزز فرص أردوغان في جولة الإعادة الرئاسية.
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات تمَلَّك المعارضة شعور بأنها نالت أفضل فرصها حتى الآن لإسقاط أردوغان بدعم من استطلاعات الرأي التي أظهرت أنه يتخلف عن منافسه الرئيس كمال كليجدار أوغلو. لكن النتائج تشير إلى أن أردوغان وحزبه نجحا في حشد الناخبين المحافظين برغم أزمة غلاء المعيشة.
وتعهد كليجدار أوغلو ممثل تحالف المعارضة السداسي بالفوز في جولة الإعادة واتهم حزب أردوغان بالتدخل في إحصاء النتائج وإعلانها، داعياً أنصاره إلى التحلي بالصبر، لكنهم ظهروا محبطين، بحسب المراسلين.
ومن شأن تمديد حكم أردوغان لعقد ثالث أن يثير قلق نشطاء الحقوق المدنية الذين يدعون لإصلاحات لاحتواء الضرر الذي يقولون إنه ألحقه بالديمقراطية. وقد يمهد فوز المعارضة الطريق أمام الإفراج عن آلاف الناشطين والسجناء السياسيين.
وتراجعت الأسهم التركية واستقرت الليرة قرب أدنى مستوى لها في شهرين وانخفضت السندات السيادية الدولارية وارتفعت تكلفة التأمين على الانكشاف على ديون البلاد.
وعبر بعض المحللين عن قلقهم إزاء حالة عدم اليقين وتقلص فرص العودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية. وقال ولفانجو بيكولي، الرئيس المشارك لشركة تينيو للخدمات الاستشارية “يحظى أردوغان الآن بتفوق نفسي واضح على المعارضة. من المرجح أن يكثر أردوغان من تصريحاته التي تركز على الأمن القومي في الأسبوعين المقبلين”.
وأيده في هذا الرأي جاليب دالاي الزميل المساعد لدى تشاتام هاوس الذي قال “من المرجح خلال فترة الحملة التي تسبق جولة الإعادة أن يركز الرئيس أردوغان على مسألة الاستقرار لأنه يحتفظ بالفعل بالأغلبية في البرلمان”.
وتحظى الانتخابات بمتابعة وثيقة في أوروبا وواشنطن وموسكو، وأيضا في أنحاء المنطقة حيث سعى أردوغان إلى ترسيخ نفوذ بلاده فيما يوطد روابطها مع روسيا مما أدى لتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة حليفتها التقليدية.
وأردوغان هو أحد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيسيين، وقد يعزز أداؤه القوي في الانتخابات موقف الكرملين لكنه يثير على الأرجح حفيظة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والعديد من قادة أوروبا والشرق الأوسط الذين ساد التوتر علاقاتهم مع أردوغان
وخيم الحزن في مقر تحالف المعارضة الرئيس بعد إحصاء الأصوات، وكان كليجدار أوغلو متقدماً بفارق طفيف في استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات في حين أظهر استطلاعان يوم الجمعة أن نسبة التأييد له تجاوزت 50 بالمئة.
وتوقعت المعارضة أن تستفيد من غضب الناخبين من المشكلات الاقتصادية بعد أن أدت سياسة غير تقليدية تمثلت في خفض أسعار الفائدة إلى أزمة في الليرة وارتفاع التضخم. كما كان من المتوقع أن يؤثر على الناخبين تعامل الحكومة البطيء مع الزلازل الذي أودى بحياة 50 ألف شخص في شباط ٢٠٢٣.
ويتعهد كليجدار أوغلو باستعادة الديمقراطية بعد القمع الذي مارسته الحكومة على مدى سنوات والعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية وتمكين المؤسسات التي فقدت استقلالها في عهد أردوغان وإعادة بناء العلاقات الضعيفة مع الغرب، بحسب المراقبين.
ويخشى معارضون من ازدياد حكم أردوغان السلطوي، على حد وصفهم، سوءا إذا ما فاز بمدة رئاسية جديدة. ويقول الرئيس البالغ من العمر 69 عاماً، الذي حقق نحو عشرة انتصارات انتخابية، إنه يحترم الديمقراطية.
ومنذ أكثر من عشرين عاما يجلس أردوغان على كرسي السلطة في تركيا، ولأول مرة يخوض الانتخابات الرئاسية من دون أن يكون الأوفر حظا.
ومنذ تأسيسها عام 1923 كانت تركيا جمهورية ذات نظام ديمقراطي برلماني بحسب ما ينص عليه الدستور. لكن بناء على رغبة أردوغان جرى تغيير ذلك، اذ استطاع حزب أردوغان، العدالة والتنمية بدعم من حليفه القومي المتشدد، حزب الحركة القومية، تعديل الدستور عام 2017. وبعد انتخابات 2018 تم اعتماد النظام الرئاسي، ومنذ ذلك الحين يتولى رجب طيب أردوغان رئاسة البلاد ورئاسة الحكومة أيضا، حيث تم إلغاء منصب رئيس الوزراء بموجب التعديل الدستوري.
وأصبح رئيس الجمهورية ينتخب من الشعب مباشرة لمدة خمسة أعوام ولديه صلاحيات واسعة، فهو الذي يعين ويقيل الوزراء وكبار موظفي الدولة حسب تقديره، ويرأس الحكومة. ويستطيع الوزراء الذين عينهم الرئيس إقالة المحافظين وممثلي الولايات والمحافظات وصولا إلى البلديات المحلية، وهكذا يستطيع الرئيس أن يمارس نفوذه حتى على البلديات، كما يمكن لرئيس الدولة إصدار مراسيم رئاسية وتعيين من يشغلون كثيرا من المناصب في السلطة القضائية والمالية والتعليم؛ كما أن الإدارات الهامة والحساسة مثل الأمن أو مؤسسة الشؤون الدينية تتبع الرئيس مباشرة، وعن طريق النظام الرئاسي جرى إلغاء الحياد السياسي أيضا، وهكذا يترأس أردوغان حزبه الحاكم، العدالة والتنمية أيضا، ولم يعد هناك فصل بين المنصبين.