في مقابلة مع فضائية رووداو ، ضابط الامن في عهد البعث صباح الحمداني ..  الرسائل التي كانت ترد للمرجعية لا تصلهم الا بعد اطلاعي عليها

 

 

 

 

أكد الضابط بمديرية الأمن العامة في النظام السابق، صباح الحمداني، أن 99% من الاعترافات كان يتم الحصول عليها بالقوة ولم تكن حقيقية، منوّهاً إلى أنها “خلقت لصدام حسين وللعراق والأجهزة الأمنية كماً هائلاً من العداء”.

 

وقال صباح الحمداني خلال برنامج (پەنجەمۆر = بصمة) على شاشة شبكة رووداو الإعلامية، إن أقرباء الشخص الذي يعدم كانوا حتى الدرجة الثالثة منهم، يتعرضون إلى مضايقات، “لم يسمح بسفر من أراد ذلك، كما لم يسمحوا بتوظيف من كان يرغب بذلك، مشيراً إلى أن النظام السابق كسب بذلك “عدداً هائلاً من الأعداء”.

 

أدناة نص مقابلة رووداو مع الضابط في النظام السابق، صباح الحمداني:

 

رووداو: لنبدأ بالسؤال عن كيفية إقامة علاقة بينك وبين الشيخ محمد تقي الموصلي؟

 

صباح الحمداني: الشيخ محمد تقي الموصلي هو رجل دين يسكن في منطقتي عندما كنت ضابط أمن الأقضية، وضابط أمن الأقضية مسؤول أمنياً عن ربع الموصل بالإضافة إلى بعض القرى المجاورة أو أطراف الموصل، من ضمنها قرى شيعية في الموصل معروفة لحد الآن، مثل القاضية، الكبة والشريخان. هذه القرى فيها شيعة، ومن باب أمني والسيطرة الأمنية يكون لدينا عيون فيها، فعقدت لقاءات كثيرة مع رجال دين، حيث تشكّل الجوامع ورجال الدين أهم شيء في جوانب عملنا، وبعض الأحزاب، ويجب أن نكسب رجال دين يتعاونون معنا، سواء عبر تسهيل واجباتنا، أو إيصال أي معلومة لديهم في الجوامع، وفي نفس الوقت نطمئن بأن هذا الجامع يسير كما ينبغي له أن يسير، خشية من أي تجمعات دينية أو ما شابه.

 

رووداو: في أي سنة حصل ذلك؟

 

صباح الحمداني: هذه تعليمات عامة، لكن أنا أتكلم عن واجبي..

 

رووداو: نقصد التعارف الذي حصل بينك وبين الشيخ..

 

صباح الحمداني: في 1978 عندما كنت ضابط أمن الأقضية، ومن ضمن واجباتي تعرفت على الشيخ محمد تقي والتقيت مع عدد من رجال الدين الموجودين، لكنه كان يعتبر معتمد السيد الخوئي الذي كان المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العالم الإسلامي، وقريباً من العائلة جداً. التقيت معه أثناء زيارته للموصل، حيث كان يقيم اساساً في النجف. كنت شخصياً قد أعددت دراسة حول موضوع الحوزة الدينية في النجف الأشرف، لكوني مطلع وأجريت بحوثاً كثيرة، ضمنها تقرير اقتصادي بإمكاننا الحديث عنه مستقبلاً، كما أجريت بحثاً شخصياً عن الحوزة العملية في النجف، والتي كان الفرس يسيطرون عليها حسب المعلومات المتوفرة لدينا في جهاز الأمن، أو قوميات أخرى من غير العرب، والتساؤل كان: لماذا لا تكون هذه الحوزة عربية؟ لماذا حظوظنا أقل في هذا المجال دائماً. طبعاً، هي مسألة دينية بحتة لأن الناس تتجه إلى الأعلم. الشيعة يقلّدون الأعلم أو أي شخص لديه اجتهاد، وعندما يكون هناك مجتهد بإمكانه أن يستنبط الفتوى، ويجيبك عندما تسأله بفتوى، بحيث يكون مسؤولاً أمام الله.

 

رووداو: هذا يعني أن علاقتك مع المرجعية كانت من خلال الشيخ محمد تقي؟

 

صباح الحمداني: أحسنت. كانت من خلال الشيخ محمد تقي. استعنت به للخوض في هذه المسألة، بحيث أعددت دراسة كبيرة من 200 صفحة تقريباً أرسلت إلى الأمن العامة واطلع عليها في حينه الدكتور فاضل البراك، ثم أرسلوا بطلبي، وقاموا بمناقشتها معي في الشعبة الخامسة، كما حضرت أمام الدكتور فاضل البراك الذي قام بتكريمي، لأنني كنت بعيداً عن المرجعية والنجف، ورغم ذلك عملت في هذا الجانب، إقامة مرجعية تنافس ولا تقاتل. المنافسة شيء والمقاتلة شيء آخر . رؤيتي كانت أن تسيطر مرجعية عربية على المرجعية بكل الطرق، والدكتور فاضل البراك كان مؤيداً لي وكرّمني في حينه بمبلغ مالي، وكان يُكرّم في كثير  من الأحيان، وتحدث مع مدير الشعبة الخامسة آنذاك ومع المعاون السياسي خيري جلميران، وقال لهما إنه أقرب شخص يمكن أن يعمل في النجف ويخدمنا.

 

رووداو: هل طلبوا منك ذلك أم أنت الذي طلبت الذهاب إلى النجف والعمل هناك؟

 

صباح الحمداني: فاضل البراك هو الذي طلب، وقال لي أنت الرجل المناسب في المكان المناسب وستنتقل إلى النجف قريباً.

 

رووداو: قبل أن نٍتحدث عن النجف، بودنا أن نسأل عن الغرض الذي دفعكم للتواصل مع الشيخ محمد تقي؟ هل كنتم تراقبونه؟ هل قمتم بتهديده؟ أم كنتم تريدون كسبه إلى صفكم من خلال الحوار والاقناع؟

 

صباح الحمداني: بالضبط. كان الهدف الحوار. كنت أتصل بشخص في منطقة الكبة والشريخان أسمه عبد الصالح وقد عرفني على الشيخ محمد تقي واستمرت العلاقة مع الشيخ محمد تقي بهذا الاتجاه. الشيخ محمد تقي إنسان طيب جداً، ونشأت بيننا علاقة صداقة أكثر مما هي علاقة مع رجل أمن، وعلى هذا الأساس بات مستقبلي مرتبطاً بالنجف، وأبُلغت بالاستعداد للانتقال إلى النجف، وفعلاً مرت أشهر وصدر أمر نقلي إلى النجف، بعد إعدام السيد محمد باقر الصدر بأشهر. السيد محمد باقر الصدر أعدم في شهر نيسان وأنتقلت في شهر تموز، أي بعد ثلاثة أشهر.

 

رووداو: في الفترة التي كنتم فيها في النجف، هل تمكنتم من ضم أي من تلك الشخصيات الشيعية إلى صفوفكم في جهاز الأمن أو إلى حزب البعث؟ هل كان ذلك من ضمن أهدافكم أو كنتم تريدون تحييدهم وانشغالهم بالعمل الديني وحسب؟

 

صباح الحمداني: هذا هو العمل الأمني، وكسب رجال الدين واجب أساسي لدينا، ورجال الدين ضعيفون. رجل الدين عبارة عن موظف لدى الأوقاف أو غيرها، كأي موظف، إنما يمارس عمله كرجل دين، ومن السهل أن تكسبه عندما يأتيه مورد إضافي، مثل راتب من جهاز الأمن وهو جالس في الحسينية أو الجامع، وهي مسألة جدية جداً بالنسبة لهم، وبالتالي استمرت العلاقة على هذا الأساس.

 

رووداو: هل تعاون الشيخ محمد تقى؟

 

صباح الحمداني: في تلك الفترة كلا. ساعدنا في هذا الموضوع فقط، ولم نكن نساعده أيضاً، لأنه لم تحدث لنا فرصة لكسبه، لكنه أعتبر وكأنه تم كسبه إلى جانبا بحكم علاقتي معه، وهو رجل متعاون، ونصل إلى أهدافنا عبر الصداقة.

 

رووداو: في النجف بدأتم بمراقبة الرسائل التي ترد إلى المرجعية. كيف كنتم تراقبونها؟

 

صباح الحمداني: أحسنت. هذه معلومات لطيفة. الأمن كان لديه مفرزة في كل دائرة برق وبريد، تقوم بتتبع الرسائل بشكل عام، وقد تفتح قسماً منها، عندما تشك برسالة ما، خاصة إذا كانت هناك علامات استفهام على شخصية، مثلاً هناك مراقبة على كاك كاوه، والمفرزة تعلم بأن عليه مراقبة، إذا أي بريد وارد له أو صادر منه يُفتح من قبل المفرزة، لكن في النجف كنا نتعامل مع المرجعية، وكلهم أجانب، تأتيهم الرسائل من أصقاع العالم كافة، كانت لا تخرج إلا باطلاعي عليها، حيث كانت المفرزة تجلب لي كل الرسائل المعنونة إلى المرجعية، أي شخص في المرجعية، من السيد الخوئي إلى خادم، وهم أعداد كبيرة.

 

رووداو: الرسائل الموجهة إلى المرجعية، خصوصاً المرجع السيد أبا القاسم الخوئي، هل كانت ترد في الغالب من داخل العراق أم من خارجه؟

 

صباح الحمداني: من داخل وخارج العراق، وأغلبها استفتاءات. الناس تسأل: إذا فعلت كذا ماذا يقول الدين؟ استفتاءات عامة. لكن، كانت هناك رسائل شخصية، وكان هناك باكستانيون وأفغان وإيرانيون يتبادلون الرسائل. لم تكن خطيرة، لكن تلك التي نشك فيها نعرضها في جهاز لكشف ما إذا كانت هناك كتابة سرية، أو نقوم بتصويرها لتكون لدينا نسخة من الرسائل المهمة، وكانت تتأخر لدينا لشهر أو 15 يوماً، وكان السيد يقول ممازحاً أحياناً: يكفي.. اطلقوا الرسائل. كانوا يعرفون بأننا نقرأ الرسائل لأن المفرزة كانت تترك آثاراً عند فتحها الرسائل واغلاقها مجدداً. لم تقم بالأمر بدقة.

 

رووداو: هل كانت ترده رسائل كثيرة؟

 

صباح الحمداني: بالتأكيد. كانت الرسائل كثيرة جداً، وقسم منها كان مهماً جداً، مثلاً السيد الخوئي يأمر وكيله في الكويت بدفع نصف مليون دينار إلى الجهة الفلانية. أقصد بالجهة الفلانية مؤسسة دينية لبناء مشروع ما، مدرسة دينية، جامع، حسينية، أو اي شيء من هذا القبيل. هذا أيضاً كنا نطلع عليه. كل الرسائل التي تأتي كانت مختومةكي تكون مقبولة، حيث لا يقوم الوكيل بصرف المبلغ ما لم ير ختم السيد، وكان يرسل المبالغ إلى باكستان أو إلى أي مكان.

 

رووداو:  هل كان السيد الخوئي يرد على الرسائل؟

 

صباح الحمداني: السيد شخصياً، نعم.

 

رووداو: هذا يعني أنكم كنتم تراقبون رسائله أيضاً؟

 

صباح الحمداني: نعم، كنا نقرأ كل الرسائل، شخصياً كنت حاضراً في إحدى المرات وهو يجيب على الأسئلة، وكان هناك مدير المكتب المالي الشيخ فخري الزنجاني، لا أعرف إن كان قد توفي أم لا. كان إنساناً طيباً يمزح كثيراً. كان السيد الخوئي يجيب عن الأسئلة، لغته العربية كانت جيدة لكن مع شيء من عدم الدقة، السيد شخصياً، وكان الزنجاني يترجم له. طبعاً، السيد الخوئي آذري الأصل، يعني تركماني، لكنه أيضاً فارسي، يتحدث الفارسية والتركمانية والعربية، أي عدة لغات، وكان يحاضر باللغة العربية.

 

رووداو: لكنه كان من علماء الاسلام. كيف يتسنى أن لا يجيد العربية بشكل كامل؟

 

صباح الحمداني: كان كذلك. من الممكن بأنه كان يستعين بمترجمين، نحن أيضاً لا نفهم الكثير من الكلمات عندما نقرأ القرآن، فنقوم بالبحث عن معانيها في غوغل كي نفهما، وهذا أمر منطقي. لكن هكذا فُرض دينياً. عندما يصبح شخص المرجع الأعلى، مثلاً عندما توفي السيد محسن الحكيم وانتقلت المرجعية إلى السيد الخوئي فعلياً في السبعين، لا يتم الأمر بأوامر، إنما وفق مفاهيم. علماء الدين الموجودين في النجف، هم من يقرر الأمر، والجميع اتجه للسيد الخوئي، مثل السيد يوسف الحكيم وآخرين، اتجهت أنظارهم جميعاً إلى السيد الخوئي. طبعاً، هناك شروط علمية يجب أن تتوفر في المرجع مثل أن تكون لديه اصدارات من كتب وبحوث.

 

رووداو: هل كانت مراقبة الرسائل وافراد العائلة قائمة من قبل، أم أنها بدأت في عهد السيد الخوئي؟

 

صباح الحمداني: عندما باشرت بالعمل هناك كانت المراقبة موجودة أساساً.

 

رووداو: إن تحدثنا عن المرجعية وابي القاسم الخوئي، ألم يحتجوا حينها على الرقابة المفروضة عليهم؟ هل كانوا يعلمون بشأنها؟

 

صباح الحمداني: نعم كانوا يشعرون بالمراقبة ومتأكدون منها. من البديهي بأنهم كانوا يريدون العمل بحرية، بدون أن يتعرضوا للازعاج، لكن كان أمراً يعتبرونه مفروضاً عليهم، وفي الوقت نفسه كانوا متعاونين مجبرين، مكره أخاك لا بطل. ماذا كان بإمكانهم أن يفعلوا؟ هم مرجعية إسلامية دينية عالمية، ماذا بوسعها أن تفعل مع نظام يراقبها بهذا الشكل؟ في الفترة التي انتقلت فيها إلى هناك، تبين أن هناك نشاطات يقوم بها رجال في حوزة على صلة بحزب الدعوة.  ووردت اتهامات لنجلي السيد الخوئي السيدين محمد تقي ومجيد بأنهما عضوين في حزب الدعوة، وكانت أمراً لا يقبله العقل.

 

رووداو: هل كانت التهم ملفقة أم كانوا متورطين؟

 

صباح الحمداني: ابداً. مستحيل. هم من كبار الشخصيات، وكان والدهم كبير الشيعة، وكانا يعتبران نفسيهما أيضأً من الكبار ولا يمكن لهما أن يعملا في حزب الدعوة. نعم كانت فيه شخصيات دينية، لكنه لم يكن بالمستوى الذي يلجآن اليه أو يستفيدان منه أو يستغلانه للوصل إلى أهدف. لماذا على السيد مجيد الخوئي أن ينتمي لحزب الدعوة؟ هناك قصة صعبة جداً ساسردها. فاضل البراك اتصل بنا وطلب لقاء مع السيد الخوئي. رتبنا اللقاء، وجاء يصحبه ضابط فني وخيري جلميران وسعدون صبري مدير الشعبة الخامسة، جلسوا في بيته، جلسة خاصة، وكنت حاضراً لكن ليس في الداخل بل مع الحماية في باحة المنزل، وفي تلك الجلسة عرض الضابط الفني فيلماً عن السيد محمد تقي الجلالي، والد زوجة السيد إبراهيم ابن السيد ابي القاسم الخوئي. قالوا للسيد الخوئي إن هذه اعترافاته بعد اعتقاله في كربلاء حول عمل ابنائك في حزب الدعوة وبإمكاننا اعتقالهم وسيواجهون حكماً بالإعدام. هذه التفاصيل تحدث معي بشأنها السيد مجيد وكان من بين الحضور، وناقشهم مع اشقائه. السيد الخوئي لم يتحدث وكان مغلوباً على أمره. قالوا لهم إن الشخص الذي عرضوا اعترافاته ليس السيد محمد تقي الجلالي الذي كان عالم دين أيضاً، وكانا يقصدان بأنه أجبر على الاعترافات من شدة التعذيب. السيد محمد تقي قال لهم لو استجوبتموني أنا أيضاً ساقول كل ما تريدون سماعه، وسأعترف بانتماء والدي السيد الخوئي لحزب الدعوة، وتساءل كيف يصدقون أننا في حزب الدعوة. قالوا : ليدنا قرار من مجلس قيادة الثورة بإعدام كل من يعمل في حزب الدعوة، لكن لن نتخذ إجراءات إكراماً للسيد، ونحذركم ونطلب منكم التعاون. حدث ذلك في 1985. لاحظ، الكذب في التحقيق والاعترافات. أنا كضابط أمن كنت أعرف بأن السيدين محمد تقي ومجيد لا يمكن لهما الارتباط بحزب الدعوة. لقد ضغطوا على السيد محمد تقي الجلالي واعترف نتيجة التعذيب، ويفترض بمدير الأمن العامة أن لا يقبلها ولا يضغط على السيد الخوئي. كان ذلك من أخطاء النظام في حينه.

 

رووداو: خلال مراقبة الرسائل التي كانت ترد إلى السيد الخوئي، هل عثرتم أي شيء مهم ينم عن خطر يهدد النظام العراقي؟ أو أن تكون له علاقة مع إيران؟

 

صباح الحمداني: ابداً. طيلة الفترة التي كنت موجوداً فيها. كانت ترده أسئلة. الإيرانيون كانوا يحركون بعض الجماعات ويسألونه أسئلة عن الحرب العراقية – الإيرانية ورأيه فيها كمرجع أعلى، والرجل كان يقول لهم دائماً بأنها فتنة بين المسلمين. وقد كرر ذلك أمامي أيضاً عندما دعاني أولاده إلى بيتهم، واثناء الحديث طرحت السؤال نفسه والقيادة كانت تسأل أيضاً عن رأيه في الحرب. كان يقول لو أزهقت حياتي في سبيل وقف الحرب، أنا مستعد لذلك. وكان يرد بإجابات مشابهة عندما كان الناس يسألونه وكنا نصور ذلك، ونعرف بأن الأسئلة ترد من الخارج، من حزب الدعوة وآخرين، إيرانيين وغيرهم، حيث كانت هناك خلافات بين مرجعيتي الخميني والخوئي، وكانوا لا يؤمنون بما يؤمن به الخميني من تصدي ووضع المهدي المنتظر على جنب ليقوم هو بواجباته، بمعنى يكفي التأخير والانتظار، ونريد أن نعمل بأنفسنا، بينما كان السيد الخوئي لا يقبل بهذا الشيء ويقول: كلا، ننتظر لحين ظهور الإمام.

 

رووداو: ذكرت بأنك التقيت السيد  الخوئي مرتين عن قرب. هل كانا بناء على طلبه؟ أم انك طلبت لقاءه؟

 

صباح الحمداني: التقيته عدة مرات وليست مرتين. لكن في المرة الأولى ابدى رغبته هو في التعرف عليّ، لأنه كان يسمع أخباراً جيدة عني من نجليه السيدين محمد تقي ومجيد. السيد مجيد كان يصغرني قليلاً ومحمد تقي كان يكبرني بسنتين تقريباً، أي كنا في أعمار متقاربة، وكنا نتناقش في مسائل دينية وسياسية وفي كل شي وحتى ضد النظام، وكانوا مطمئنين بأنني لا أسجل، ولا اقوم بافعال تدر بالفائدة على جهاز الأمن، كانوا مطمئنين مني جداً، بحيث كان كل شيء مفتوحاً أمامهم. من المؤكد بأنهما تحدثنا عني كثيراً فطلب اللقاء. ذهبت للقائه في بيته بالكوفة، وكان معه الشيخ فخرى الزنجاني. اللقاء دام نحو نصف ساعة. بعد اللقاء بيومين أو ثلاثة زاره المحافظ وأمين سر فرع حزب البعث ومدير الأمن الذي كان في حينه نوري علي الفهد من أهالي الرمادي. طلبني وقال لي: نقيب صباح، زرنا السيد الخوئي ولم يقبل مصافحتنا. قلت له: كيف؟ قال: سحب يده عندما حاولنا مصافحته، مضيفاً: مسؤول الفرع والمحافظ ومدير الأمن، ولم يكترث لوجودنا. قلت له: سيدي زرته قبل يومين وصافحني ورحب بيّ حسب الاصول. لابد أن تكون هناك أمور تدفعه للانزعاج منكم، هو منزعج من الإدارة لأنه وقع في مشاكل كثيرة معها. والإدارة اقصد بها الأوقاف، حيث كانت لديه علاقة مع أوقاف النجف وليست مع المحافظ، كما كانت لديه علاقة مع الأمن لأنهم كانوا يقومون بعمليات القاء القبض والمصادرة ويرحلون ويسفرون. قاموا بتسفير قسم من رجال الدين، وكثيرون منهم اعتقلوا من بينهم اثنان من اصهاره وكانا من أسرة الميلاني، عدا عن السيد محمد تقي الجلالي الذي كان والد زوجة ابنه إبراهيم، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك أي تجاوب إيجابي، ولهذا كتب السيد محمد تقي الخوئي برقية سريعة إلى صدام حسين قال فيها نصاً أنتم ضيفتموني لكنني أتعرض إلى التشويش من قبل الإدارة وأريد مغاردة البلاد. عندما استلم الشيخ محمد تقي معتمد المرجعية البرقية اتصل بي فوراً، وشرح لي تفاصيل الموضوع. طلبت البرقية التي كانت تحمل ختم السيد أبي القاسم الخوئي ويطلب فيها المغادرة، وكنت أعرف بأنها مشكلة. مدير الأمن كان يكره السيد الخوئي ويتسبب له بالمشاكل دائماً، وكان موقفه غير إيجابي.

 

رووداو: هل رد صدام؟

 

صباح الحمداني: البرقية كانت بحوزتي في تلك اللحظة، حيث جلبها لي الشيخ محمد تقي وقمت بإرسالها إلى مدير أمن النجف وقلت له بأن السيد الخوئي يريد المغادرة. قال لي: فليغادر. قلت: ليس أمراً سهلاً. قال: فليغادر..سوف نتخلص منه.

 

رووداو: هذا يعني أن رسالة السيد الخوئي لم تصل إلى صدام؟

 

صباح الحمداني: صدام لم ير الرسالة أساساً، كما لم ترد البرقية عن طريق الأمن، وردته عن طريق علي حسن المجيد الذي كان في ذلك الوقت مديراً للأمن العامة وليس فاضل البراك. عندما تلقينا الرسالة رسمياً عبر مفرزة الأمن في البريد، وجهنا رسالة بشأنها إلى الأمن العامة، ذكرنا فيها أن السيد الخوئي طلب كذا وكذا … ويدعي أنه يشعر بالتشويش وغير مرتاح من الإدارة لأنها تحاربه وتشوش عليه ويطلب الإذن بالمغادرة. اتصل معاون مدير الأمن للشؤون السياسية خيري جلميران بي فوراً، حيث كان مدير الأمن خارجاً في مهمة، وسأل عن تفاصيل هذا الموضوع، وأبلغته بما جرى وليس كما يريد مدير أمن النجف. تحدثت بصراحة وقلت بأن الشيخ محمد تقي جلب لي البرقية وأبلغت المدير وقال لي ليغادر. انزعج جلميران من مدير الأمن لأنه لم يقم بإبلاغهم. بّلغ علي حسن المجيد واتصل بصدام حسين الذي أمر بتشكيل لجنة لدارسة التشويش على السيد الخوئي. كان يواجه تشويشاً كبيراً، لست شيعياً، لكن لكنت قد انفجرت لو كنت مكانه. بصراحة، التشويش الذي كان يتعرض له من الأجهزة الأمنية بدرجة أولى، لا يطاق، وكانت هذه النتيجة. طبعاً، جهاز الأمن سيكونون متكاتفين، ولن يتحدثوا عن الحقيقة كما هي، حتى مدير أمن النجف قام باصطحابي معه إلى الأمن العامة كي لا أتكلم بصراحة.

 

رووداو: هل زار صدام حسين النجف بعد ذلك؟ هل التقى السيد الخوئي أم استقبله؟

 

صباح الحمداني: كلا. المعلومات غير صحيحة. ولم يأت إلى النجف، بل شكل لجنة من الرئاسة ومدير الأمن العام علي حسن المجيد، لجنة على أعلى مستوى كانت تضم اثنين من ابناء السيد الخوئي، السيدين مجيد ومحمد تقيومعاون مدير الأمن العامة للشؤون السياسية ومدير أمن النجف، ومجدداً كذبوا أثناء التحقيق. لو تكلموا معي لكنت قد قلت شيئاً آخر.

 

رووداو: بعد تشكيل تلك اللجنة هل حدث أي تغيير في النجف؟ هل خفّت المضايقات التي كانت تستهدف عائلة الخوئي؟

 

صباح الحمداني: تحسن الوضع. في السابق كنت أتعاون مع عائلة الخوئي بشكل شخصي، لكن بعد ذلك التاريخ أبُلغت شخصياً بالتعاون معهم. مثلاً سُئلت مرة عن خباز كان قريباً من عائلة السيد محمد باقر الصدر واختفى. عائلة الخوئي التي كانت تشتري منه الخبز أرادت معرفة مصيره. قلت لمدير الأمن إن السيد مجيد طلب مني معرفة ما حل بالخباز؟ صحيح بأنني ضابط في الأمن، لكن كنت أتعرض للمراقبة ولم يكن بإمكاني الحديث كيفما أشاء. قلت له إن السيد مجيد يسأل عن هذا الشخص، بمعنى أن المرجعية تسأل عنه. رغم ذلك لم يستجب أحد، وقتل وتم دفنه حسب السياق. كان هناك ضغط قوي جداً. ثلاثة من اصهار السيد الخوئي وكانوا من عائلة الميلاني وهم إيرانيون ايضاً، اتهموا بالانتماء لحزب الدعوة واعدموا جميعاً. ما معنى ذلك. أليس تشويشاً قوياً؟ في وقت كنا نعرف، وأنا متأكد بأن 99% من الاعترافات كانت تؤخذ بالقوة وغير حقيقية وغير صادقة، وكنا نتهم الناس، وكانت تلك المصيبة الكبيرة التي خلقت لصدام وللعراق والأجهزة الأمنية كماً هائلاً من العداء. عندما كان شخص يعدم يضايقون أقرباءه حتى الدرجة الثالثة. لم يسمح بسفر من أراد ذلك، كما لم يسمحوا بتوظيف من كان يرغب بذلك، أي كسبوا عدداً هائلاً من الأعداء، وذلك نتيجة خطأ أو اعتراف كاذب.

 

رووداو: هل كان صدام منزعجاً أو يقلقه خروج السيد الخوئي من العراق؟

 

صباح الحمداني: بالتأكيد، لأن خروج السيد الخوئي كان سيشكل مشكلة وتنعكس نتيجته على الشيعة العراقيين. ماذا كانوا سيقولون إذا كان مرجعهم الأعلى قد هرب مضطراً ومحارباً ومنزعجاً؟ كانوا سيمتعضون في وقت كنا نخوض فيه حرباً. نتحدث عن عام 1986، وكانت إيران ستستغل خروجه بالدرجة الأولى، وكان نوع من اللغط غير الطبيعي سيحصل بين صفوف الشيعة والعراقيين ورجال الدين. لهذا آثر صدام حسين أن يبقى السيد الخوئي في النجف.

 

رووداو: التقيم السيد السيستاني ذات مرة في منزل السيد الخوئي. هل تحدثتم معه؟

 

صباح الحمداني: نعم، التقيت في إحدى المرات بالسيد الخوئي وكان السيد السيستاني موجوداً. تبادلنا التحية فقط. كانت هناك دعوة لم يحضراها، واقتصر الأمر على الترحيب. جلس السيدان الخوئي والسيستاني لدقائق غادرا بعدها، وبقيت مع ابناء السيد الخوئي.

 

رووداو: هل كانت العلاقات بينها طيبة حينها؟

 

صباح الحمداني: نعم. ابناء الخوئي كانوا يسمونه بالعم السيد علي، وكانت العلاقة بينهم على قدر كبير من الاحترام.

 

رووداو: من بين العوائل الشيعية التي سعت للفوز بالمرجعية، عائلتا الصدر والخوئي وغيرهما. هل كان هناك شعور بوجود خلافات بينها؟ ام أنها كانت في وئام؟

 

صباح الحمداني: نعم، كانت هناك خلافات. السيد محمد باقر الصدر كان مرجعاً بحد ذاته، واعتمدت على مكانته بدرجة كبيرة في الدراسات والبحوث التي أجريتها، حيث كانت لديه أفكاراً جيدة، حتى باتجاه السنة، ولم يقبل سب الصحابة، ويبتعد عن الأمور التي تتسبب خلافات بين السنة والشيعة، وكان متفهماً وليس حدياً مثل الآخرين، وهو عربي، وبالتالي المرشح الأول ليقود المرجعية بعد وفاة السيد الخوئي. كان المعول عليه، لكن صدام حسين أخطأ عندما أعدمه، وكان يعتقد أن وجود السيد محمد باقر الصدر حياً يشكل نهاية للنظام. وكان ذلك خطأ.

 

رووداو: قلتم أنكم اردتم من خلال الدراسة التي قمتم بها، تاسيس مرجعية للشيعة يدعمها حزب البعث. من هو الشخص الذي كنتم ترون أنه يستحق دعمكم؟ يجري الحديث عن السيد محمد صادق الصدر وان حزب البعث كان يريد دعمه لتولي المرجعية؟

 

صباح الحمداني: في الفترة التي كنت فيها هناك، كان السيد محمد محمد صادق الصدر  ضعيفاً وغير معروف، على الرغم من كونه كان رجل دين له أتباعه، وفي نفس الوقت كان مقرباً من السيد محمد باقر الصدر. الناس كانت تتجه له، لكن ليس بقوة. الآخرون كانوا أقوياء. كانت هناك أسرة الحكيم، والسيد محمد علي الحمامي على سبيل المثال، وسادة كبار لهم دورهم، مثل أسرة كاشف الغطاء. المهم، كان هناك رجال دين أقوى منه، لكن السيد محمد محمد صادق الصدر استفاد من شعبية السيد محمد باقر الصدر الذي كانت الناس كلها متجهة اليه، وكانت له مواقف معروفة وانتهى بالإعدام، وبالتالي جيّر السيد محمد محمد صادق الصدر كل هذه المحبة لنفسه، ولعب لعبة تعاون فيها مع النظام العراقي في الحوزة العربية. وبعد أحداث 1991 واعتقاله، وكنت خارجاً أساساً، غيّر نهجه، واقنتع بكلام الدولة والأمن، وبدأ بتلقي المساعدات، لكنه كان من الذكاء بحيث استفاد من الدولة التي استمد منها القوة ومنحته صلاحيات كثيرة مثل المدرسة الدينية والصرف على الطلاب ومنح الاقامات، حيث كان يوافق على منح الإقامات لرجال الدين والعلماء وطلاب العلوم من الخارج، وهذه قوة للمرجع. نتكلم عن الفترة 1992 – 1996 التي بدأ صدام حسين يضعف خلالها، و ووالد مقتدى استغل هذا الظرف. عادة عندما يكون رجل الدين قريباً من جهاز الأمن أو من الحزب، يصبح مكروهاً لدى الشعب، والناس تمتعض منه، حتى بالنسبة لدينا. كان هناك رجال دين معروفين قريبين من صدام. وكذلك لدى الاخوة الشيعة، كانوا يريدون إزاحة المقريبن من السلطة، لكنهم تقبلوا الصدر، لأنه كان يلعب على الحبلين، يوجه الكلمات ضد الدولة بشكل غير مباشر، وأقام صلاة الجمعة. علماء الشيعة الإمامية يرفضون إقامة صلاة الجمعة في بلد يحكمه حاكم جائر. لا يمكن إقامة الصلاة فيه. هو خرج عن النص. الحاكم الجائر موجود، ويقيم صلاة الجمعة بذكاء بحيث يطعن بشكل غير مباشر بالدولة ويريد الخروج عنها واكتسب محبة الجماهير، لأنهم كانوا يسعمونه، وبات الشيعة مرتاحين لأفكار السيد محمد محمد صادق الصدر وما يتحدث به خلال خطبه، إلى أن قتل في عام 1999.

 

رووداو: أجريتم تحقيقات وعشتم فترة طويلة معهم وراقبتموهم. لو أننا تحدثنا الآن عن المرجعية، كيف كانت تنظر لنظام الحكم في العراق؟

 

صباح الحمداني: ظاهرياً كل المرجعيات والعلماء ضد الدولة، ولم تكن لهم علاقة بالدولة، وكلما حاولوا الابتعاد عنها وتجنبها كان أفض. التعاون معها كان يدخلهم في مشكلة، ومحاربتها كان يتسبب لهم بمشكلة أيضاً. الأغلبية لم تكن لهم علاقة بالدولة، لكن الدولة كانت تريد هذه العلاقات وتؤسس لها بواسطتنا، ضباط المخابرات الأمن. وبدات تكسب بعضاً منهم بمبالغ، رواتب، وكثير منهم استفادوا من هذه المنح، ومن العلاقة مع الدولة وجهاز الأمن. شخصياً كنت أدفع رواتب لعلماء يقف خلفهم مصلون، كانوا بمثابة مراجع صغيرة، رغم ذلك يتسلمون رواتب منّا. استلامك لراتب من جهاز الأمن يعني أنك تنفذ سياستها. ولهذا كان هناك متعاونون، وكثيرون طلبوا مني اسماء. تكلمت عن موضوع الأمن، وأن هناك أناساً يتعاونون معك ليس حباً بك، بل طمعاً بالمال والوصول إلى أشياء كثيرة كونك مسوؤل أمني، أو خوفاً منك وحماية للآخرين. مثال بسيط على ذلك، محمود دعائي الذي كان كاتب سر الخميني قبل أن يّطرد من العراق. محمود دعائي كان وكيلاً لدينا في الأمن، ولديه اضبارة قرأت تفاصيلها. كان يزودنا بالتقارير. لكن ماذا كان يقدم؟ كان يقدم ما يريده، وما يخدمهم ويتقاضى المال منّا في الوقت نفسه، وبمجرد خروج الخميني من العراق وذهابه إلى باريس لثلاثة أشهر ثم توليه الحكم في إيران، عُين محمود دعائي سفيراً لإيران في العراق. لم يكن مخلصاً في تعاونه معنا، لكن كان هناك أناس متعاونين معنا بشكل حقيقي.

 

رووداو: خلال لقاءاتكم مع أبي القاسم الخوئي التي جرت في فترة الحرب العراقية – الإيرانية، هل تحدثتم قط عن تلك الحرب؟

 

صباح الحمداني: لم يتحدث عنها مطلقاً. لم يتحدث عن هذه الأمور إلا إذا وجه اليه سؤال في استفتاء. يطلب أحدهم فتوى، فيرد بالطريقة التي تحدثت عنها. يدعو إلى وقف الحرب بين المسلمين ودرء الفتنة، وكان الخميني لا يقبل بها أساساً لأنه كان يتطلع إلى موقف صريح من الخوئي يؤيد إيران ضد الكافر صدام حسين، مع العلم أن صدام حسين و الخميني جاءا في عام واحد. إلى ماذا يشير ذلك؟ كان برنامجاً قوياً جداً. الراحل مام جلال كان يذكّرني بما قرأه في مذكرة للسي آي أي. متى؟ في 1979 عندما جاء الخميني، لكني عاصرت الأحداث بنفسي، حيث بدأ الصراع الشيعي السني وتصدير الثورة. ماذا نفعل بالثورة؟

 

رووداو: ليكن سؤالنا الأخير في هذه الحلقة عن الجهة التي قتلت محمد صادق الصدر. هل كانت الحكومة العراقية؟ حزب البعث؟ أم انهم الإيرانيون كما يزعم؟

 

صباح الحمداني: كنت خارج العراق أساساً، لكن آخر المعلومات والخلاصة التي اقدمها للاخوة الذين يسمعونني، تفيد أن مقتل محمد محمد صادق الصدر كان بأيد إيرانية لكن برضى عراقي. كان اتفاقاً.

 

رووداو: كيف؟

 

صباح الحمداني: اتفقوا..

 

رووداو: كيف يمكن ذلك؟ اتفقوا على أن يقتل لكن على يد الإيرانيين..

 

صباح الحمداني: نعم. لدي أحد الشهود في قناتي، أسميه الشاهد ابن البيجات، وهو من حمايات ابناء صدام ومن ابناء عمومته وكان يعمل في جهاز الأمن الخاص، أي يعرف كل شيء ومطلع على الكثير..

 

رووداو: ماذا قال بشان ذلك؟

 

صباح الحمداني: يقول إن المخابرات الإيرانية والمخابرات العراقية اتفقتا على اغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر، لأن هذا كان يرضي النظام من الورطة التي وقع فيها، حيث لم يصبح المرجع العربي الذي يخدمهم بل بدأ يطعن به في وقت كان النظام يضعف. نتكلم عن 1999. ولهذا تمت التضحية به.

 

نقلا عن موقع رووداو

قد يعجبك ايضا