شهادات العاملين وأصحاب الاعمال .. العمل من البيت والتخلص من الإرهاق ومشكلات الزملاء

 

التآخي – وكالات

بمواجهة نقص الأدمغة، تتنافس شركات التكنولوجيا لاستقطاب أصحاب المواهب، لكن العمل بات يحصل عن بُعد، والموظفون يكونون أحياناً في الجانب الآخر من العالم، ولم تعد هناك حاجة حتى لتوفير مكاتب للموظفين.

غادر نيكولا بيسيمييه أخيراً سيليكون فالي للإقامة في رينو بولاية نيفادا، من أجل وظيفة عن بُعد بالكامل (ما يُعرف بـ”فول ريموت”) لحساب موقع “هوبر” المتخصص في مقارنة أسعار الرحلات الجوية.

وبعد صرفه من غوغل التي أعلنت أخيراً الاستغناء عن 12 ألف وظيفة، لم يجد بيسيمييه صعوبة في إيجاد شركة جديدة مهتمة بالاستفادة من مهاراته في تطوير البرمجيات.

ويروي بيسيمييه من مقر إقامته الجديد الذي يستخدمه أيضاً مكتباً له “أن العمل عن بعد يعطينا إمكانية اختيار المكان الذي نريد الإقامة فيه، مع حرية تغييره في حال غيّرنا رأينا بعد شهرين”.

وفي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يعمل جوردان بيتييه (35 عاماً) مطوراً معلوماتياً لحساب شركة “غورجياس” الفرنسية الأمريكية العاملة في مجال التجارة الإلكترونية. وهو يعمل أيضاً من منزله، في مدينة غرونوبل في جبال الألب الفرنسية، وهو ما يصفه بأنه إطار “أكثر ملاءمة للحياة العائلية” مقارنة مع باريس.

ويقول “لقد تحدثت إلى مديري عن نقل مقر إقامتي، فلم يكن لذلك أي أهمية لديه لأني أعمل عن بُعد بصورة كاملة”.

ومع فرق عمل منتشرة في فرنسا وصربيا وكندا، يجد مؤسس “غورجياس” رومان لابير نفسه من سان فرانسيسكو على رأس موظفين في مناطق زمنية مختلفة.

ويقول لابير “اختيار العمل عن بعد بالكامل سمح لنا بتسريع عملية التوظيف في وظائف الهندسة وتطوير المنتجات. يمكننا تالياً الإفادة من مجموعة أوسع من المواهب”، مع طريقة تنظيم هجينة تجمع العمل عن بُعد بصورة كاملة أو جزئية تبعاً للمناطق.

في هذا النوع من العمل، بات تناول القهوة والحلويات مع الزملاء من الماضي، وحلت محله الاجتماعات عبر الشاشات. هذا الاتجاه ليس جديداً تماماً في المهن التقنية، لكنه اكتسب زخماً منذ جائحة كوفيد، كما أن موجات الصرف الكثيرة التي أعلنتها شركات التكنولوجيا الكبرى لا تغير شيئاً، بحسب متخصصين في القطاع يرون أنها وسيلة للشركات للتميز في البحث عن المواهب.

ويقول نيكولا بيسيمييه “كانت لدي خيارات وظيفية كثيرة بعد ترك غوغل، وبالنسبة لي، كانت إمكانية العمل بالكامل عن بعد عاملا مهماً” في اختيار الوظيفة الجديدة.

يتيح تنظيم العمل هذا أيضاً إمكانية التوظيف بأجور أقل بكثير. على سبيل المثال، بحسب تقرير صادر عن شركة “غارتنر” الأميركية في عام 2022، يتقاضى مهندس البيانات 17400 دولار سنوياً في نيودلهي، مقارنة بـ187 ألف دولار في سان فرانسيسكو.

الميزة إدارية أيضاً، على ما يشرح سيريل دوبوي، من شركة “ميريتيس” الاستشارية. ويقول “من قبل، كانت الشركة تتخذ كل الإجراءات اللازمة لاستقدام موظف من بلد آخر، مع كل ما يترتب على ذلك من تأخيرات إدارية. لكنّ إمكانية العمل عن بعد بالكامل حطمت الحواجز المرتبطة بالإجراءات الإدارية، وبات يمكن القيام بكل شيء عن بُعد، حتى من مناطق بعيدة للغاية”.

لكن لهذه الطريقة أيضاً عيوبها، مثل صعوبة دمج الموظفين المبتدئين، وثقافة الشركة التي يصعب نقلها أو الجداول الزمنية المتداخلة للغاية. وقد عانى جوردان بيتييه من هذه العقبات، عندما كان يدير فريقاً من الموظفين في باريس وكيبيك وبوخارست وسياتل.

ويقول “كانت لدينا فروق في التوقيت تصل إلى عشر ساعات من الشرق إلى الغرب. لقد كان الأمر متعباً”. وبنتيجة ذلك، بدأ القطاع في التوظيف تبعاً للمناطق الزمنية، من أجل مزيد من السلاسة في العمل.

قبل اندلاع جائحة كورونا لم يكن العمل من المنزل مرغوبا به من قِبل أرباب العمل، غير أن الجائحة أجبرت الجميع على إعادة النظر بشكل راديكالي في هذه النظرة لدرجة أن الكثير من المؤسسات تلزم موظفيها بهذا العمل. يعني العمل من المنزل قيام العامل أو الموظف بمهامه اليومية من بيته بدلا من المكتب أو مقر الجهة التي يعمل لها. ومع اتساع نطاق شبكة الانترنت يتحول هذا العمل إلى أمر رويتني لكثير من القطاعات لاسيما المكتبية والمحاسبية منها وبشكل عابر للحدود.

المسافة الطويلة وزحمة المرور والإزعاج والمشكلات المرافقة للعمل سواء مع الزملاء أو المدير، أمور يود كل موظف تجنبها. العمل من المنزل يوفر علينا كل تلك المشاكل ويزيد من إنتاجنا. لكن هل يمكن لكل موظف أن ينجز مهامه من البيت؟

يقول ممارسو العمل من البيت، العمل من المنزل يوفر علينا الكثير من الجهد والإرهاق والضغط النفسي، ما ينعكس ايجابيا على المرء ويزيد من إنتاجه؛ لكن العمل من البيت ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج للكثير من الالتزام والصرامة في تخطيط وتنظيم أوقات العمل. والعمل من البيت لم يعد بالأمر النادر، فثلث الموظفين ينجزون عملهم بانتظام من مكتبهم في البيت، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة فرانكفورتر روندشاو الألمانية نقلا عن دراسة أجرتها رابطة تكنولوجيا المعلومات بيتكوم عام 2013. و21 بالمئة يلتزمون بدوام منتظم في مكتبهم بالبيت. وبحسب الدراسة نفسها يعتقد 79 بالمئة ممن يعملون من البيت بأنه من خلال ذلك يمكن التوفيق بين المهام والواجبات العائلية والوظيفية بشكل أفضل.

وتنقل فرانكفورتر روندشاو عن ديتريش مانتسي، الباحث في علم النفس بجامعة برلين التقنية، قوله إن الذين يعملون من مكتبهم في البيت يعانون أقل من غيرهم من ضغط الوقت عليهم ويستطيعون تقسيم يومهم بين العمل والمهام العائلية بشكل أفضل وأكثر من مرونة من غيرهم. لكن برغم ايجابيات العمل من البيت فإن له سلبياته أيضا، فبسبب غياب ضغط الوقت يتراخى كثيرون في إنجاز عملهم ويؤجلون أشياء مهمة.

لذا من يريد أن يكون ناجحا في عمله من البيت، يجب أن يفصل بشكل تام بين مجالي العمل والمعيشة، وتجهيز غرفة المكتب بشكل جيد ومناسب لظروف العمل، ووضع برنامج جيد وصارم ينظم أوقات العمل والمهام العائلية الأخرى، ولهذا يفضل بدء العمل يوميا في الموعد نفسه. وينصح الباحثون بتحديد أوقات العمل في البيت كما في الشركة في المدة الاعتيادية أي ما بين الساعة التاسعة صباحا والخامسة مساء.

قد يعجبك ايضا