التآخي ـ متابعة
في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الفرنسية، قال هانز ليتينز رئيس الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) إن وتيرة محاولات الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط قد زادت وبلغت مستويات غير مسبوقة. وأرجع ليتينز السبب في ذلك إلى قدرة عصابات التهريب على إنتاج قوارب بدائية بسهولة أكبر وفي وقت قصير قد يبلغ 24 ساعة. وأشار إلى أن مستوى عمليات عبور المنطقة الوسطى للبحر المتوسط هو الأعلى منذ بدأت الوكالة جمع المعطيات عام 2009.
وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام 2023، ازداد عدد عمليات عبور المنطقة الوسطى للبحر الأبيض المتوسط بنسبة 300 في المئة تقريبا مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مع رصد قرابة 42200 عملية دخول.
وقال رئيس الوكالة “لم أشهد ذلك إطلاقا في الماضي”، مضيفا أن عمليات العبور باستعمال هذا المسار شكلت أكثر بقليل من نصف 80700 عملية دخول غير منظمة إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام. وأضاف “نرى الآن زيادة نسبتها 1100 في المئة” في عبور المهاجرين “من تونس خصوصا، مقارنة بالعام الماضي”. وأشارت فرونتكس في بيان إلى أن مستوى عمليات عبور المنطقة الوسطى للمتوسط هو الأعلى منذ بدأت الوكالة جمع المعطيات عام 2009.
وترتبط الزيادة الكبيرة، من وجهة نظر ليتينز، بالتغير في طريقة عمل مهربي البشر وتراجع كلفة عملية العبور الواحدة. وقال “يستخدمون الآن قوارب بدائية معدنية صغيرة يمكن إنتاجها على الشاطئ في غضون يوم، 24 ساعة، بكلفة 1000 يورو تقريبا (1090 دولارا)”. وتابع أن “انخفاض الأسعار يعني أنهم يحتاجون إلى أعداد أكبر. لذا هناك مبرر يدفعهم للضغط أكثر. قد يفسر ذلك الأعداد الحالية”. كما لفت ليتينز إلى أن المهربين باتوا أكثر تنظيما ويتنافسون مع بعضهم البعض.
وأوضح أنه في حالة واحدة في الأقل، أغرقت مجموعة تهريب منافسة قاربا. واتهمت مجموعات حقوقية بينها “هيومن رايتس ووتش” فرونتكس بالتواطؤ في انتهاكات ارتُكبت بحق مهاجرين في ليبيا عبر التعاون مع خفر السواحل الليبي لاعتراض القوارب.
وأشار ليتينز إلى أن الوكالة لم تتعاون بأي شكل من الأشكال مع ليبيا ونفى الاتهامات لها بالتحريض على عمليات إبعاد المهاجرين من خلال إبلاغ الليبيين بمواقع القوارب في مناطق البحث والإنقاذ الأوروبية. وقال “ما نقوم به هو أننا نصدر نداء استغاثة فقط عندما يواجه المركب صعوبات وتتلقى السلطات الليبية والتونسية هذا النداء أيضا”.
وأضاف “إذا وافق مركز التنسيق على أن خفر السواحل الليبي هو الذي سيجري عملية البحث والإنقاذ، يبحرون وينقذون حياة الناس. الإبعاد أمر مختلف تماما”. وتابع “وإن بدا ذلك قاسيا بعض الشيء لكننا لا نأبه من ينقذ حياة الناس طالما أن عملية إنقاذهم تتم”. وقال لوكالة الأنباء الفرنسية “بالطبع، تأمل بألا ينتهي بهم الأمر في المراكز التي تحدثت عنها الأمم المتحدة في تقاريرها. وبالنسبة لنا، مهنيا، يشكل الأمر معضلة حقيقية”.
وحذرت بعثة أممية لتقصي الحقائق من أن المهاجرين العالقين في ليبيا في إطار محاولتهم الوصول إلى أوروبا يتعرضون إلى تعذيب ممنهج وعبودية جنسية.
وبعد استقالة سلفه فابريس ليجيري، تعهد رئيس فرونتكس الجديد في كانون الثاني 2023 بإعادة الثقة بالمنظمة ووقف عمليات إبعاد المهاجرين عند حدود الاتحاد الأوروبي. كما تعهد بإعادة هيكلة المنظمة التي هزتها في الماضي مزاعم التورط في انتهاكات لحقوق الإنسان.
لكن بعد شهرين على توليه المنصب، أفاد ليتينز أنه “لا يمكنه تأكيد” أن عمليات الإبعاد غير القانونية للمهاجرين لا تتم في الاتحاد الأوروبي. وأوضح “بالتأكيد، لا يمكنني أبدا منع أمور معينة من الحدوث”. وأضاف “يمكنني خلق ظروف نستطيع من خلالها معرفة أمر ما فور حدوثه ومحاولة التواجد في المكان لمنع حدوثه. نحاول توعية الناس لدينا”.
وأكد ليتينز بأنه بقي على تواصل مع المنظمات غير الحكومية التي سبق أن نددت بأفعال فرونتكس وحاول استخدام نفوذه في محادثات مع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي اتُّهمت بالسماح بعمليات الإبعاد.
ولدى سؤاله عن دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زعزعة الاستقرار على حدود الاتحاد الأوروبي، قال ليتينز “إن ذلك ضمن قواعد اللعبة بالنسبة إليهم بالتأكيد وسواء استخدموه أم لا، فإن الأمر يعود إليهم. لديهم الإمكانيات للقيام بذلك”. وأردف “لا أستطيع قراءة أفكار السيد بوتين أو غيره وإن كان سيقوم بذلك، لكن لا شك في أن الأمر ضمن قواعد اللعبة المتبعة لديهم”.
وبحسب المراقبين فإن الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية تدفع الملايين حول العالم للهجرة والنزوح بعيدا عن أوطانهم.و ينحدر 72 بالمئة من اللاجئين حول العالم من خمس دول، بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الصادرة في أواسط العام الماضي 2022.
أغلب اللاجئين حول العالم من السوريين الذين تعاني بلادهم من العنف المستمر منذ عام 2011، بعد سوريا تأتي فنزويلا التي تعاني منذ سنوات بسبب أزمات اقتصادية وسياسية وإنسانية، وقد وصل عدد اللاجئين منها إلى 5,6 مليون شخص. والعام الماضي جاء أغلب اللاجئين من أوكرانيا، حيث وصل عددهم إلى نحو 8 ملايين شخص.
وفيما يأتي أغلب اللاجئين من بضع دول، فإن الوضع ليس بذلك الوضوح بالنسبة للدول التي تستقبلهم. وأكبر خمس دول تأوي 36 من اللاجئين المسجلين لدى الأمم المتحدة، هي: تركيا، كولومبيا، ألمانيا، باكستان، وأوغندا.
وآخر دولتين (باكستان وأوغندا) توضحان بأن الانطباع السائد لدى أغلب الأوروبيين، بأن كل اللاجئين من أفريقيا وآسيا يلجؤون إلى أوروبا، غير صحيح.
وبحسب الأمم المتحدة فإن 80 بالمئة من اللاجئين الأفارقة يبقون في القارة السمراء وتبقى حركة النزوح محصورة ضمن دول المنطقة. كذلك الأمر بالنسبة للاجئبين والمهاجرين من القارة الأسيوية، فالهجرة المحلية أو المناطقية هي السائدة.
وبالنسبة للدول التي تستقبل اللاجئين والمهاجرين: أي منها استقبلت أكبر عدد مقارنة بعدد سكانها؟ لبنان بين دول الصدارة، فحسب بيانات موقع الإحصائيات “ستاتستا Statista” فإن اللاجئين شكلوا 13 بالمئة من مجموع عدد السكان عام 2020، وأغلبهم نزحوا من سوريا. مع العلم أن اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان، لم يتم حسابهم مع اللاجئين الآخرين.
وقد يكون مفاجأة لكثيرين معرفة أن جزيرتي “أروبا وكوراساو” في بحر الكاريبيك، أيضا في مقدمة الدول المستقبلة للاجئين في العالم. فجزيرة أروبا التي يبلغ عدد سكانها 112 ألف نسمة، وصلت نسبة اللاجئين فيها عام 2020 إلى ما يساوي 16 بالمئة من عدد السكان، وبذلك تعد في مقدمة دول العالم التي تأوي اللاجئين، وأغلبهم من فنزويلا. وتتبع جزيرتا أروبا وكوراساو هولندا، ولكنهما ليستا جزءا من الاتحاد الأوروبي.
وفي غضون رحلة النزوح يتعرض اللاجئون لكثير من المخاطر، فقد يعانون من الجوع والمرض والتعرض للعنف، وبعضهم يدفع حتى حياته ثمنا؛ و ما بين عامي 2014 و2022 مات أو فُقد ما لا يقل عن 50 ألف نازح على طريق الهجرة، بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة، وأكثر من نصفهم (26 ألف مهاجر) غرقوا أو فقدوا في البحر المتوسط خلال إبحارهم من سواحل دول شمال أفريقيا باتجاه أوروبا. ومن هنا فإن طريق البحر الأبيض المتوسط يعد من أخطر طرق النزوح والهجرة في العالم، ويليه أفريقيا ومنطقة الصحراء الكبرى.
وفي القارة الأمريكية أيضا هناك حركة نزوح من الجنوب إلى الشمال، فمن غواتيمالا وفنزويلا وهايتي ينزح الآلاف هربا من الفقر والعنف والأزمات السياسية في بلادهم إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك. وفي الفترة ما بين تشرين الأول 2021 وتشرين الأول 2022 سجلت سلطات حماية الحدود الأمريكية أكثر من مليوني محاولة عبور للحدود المكسيكية إلى الولايات المتحدة وغالبا في ظروف خطيرة، قد تكلف المهاجر حياته.
وفي القارة الأسيوية أيضا مات آلاف النازحين العام الماضي، حسب المنظمة الدولية للهجرة، كثيرون منهم أفغان ومن الروهينغا، بالإضافة إلى مهاجرين من أفريقيا ماتوا في شبه الجزيرة العربية…
ويقرر الناس الهجرة ومغادرة وطنهم لأسباب عديدة، من أجل العمل أو الزواج مثلا. لكن هناك من يجبرون على النزوح من بلدهم بسبب العنف أو الكوارث الطبيعية. وتشير الأبحاث إلى أن الناس غالبا ما يتركون بلدهم ويهاجرون لاجتماع أكثر من سبب ودافع؛ كذلك عامل المناخ يجب عدم الاستهانة به، ولسوء الحظ فإن الظواهر المناخية المتطرفة والكوارث البيئية مثل الجفاف والعواصف المدمرة والفيضانات تضرب جنوب الكرة الأرضية الذي يعاني من الفقر والصراعات، وهكذا أجبر مئات آلاف الباكستانيين العام الماضي على النزوح بسبب الفيضانات التي ضربت البلاد، التي تعاني أصلا من أزمة اقتصادية حادة، وكانت بحاجة للمساعدة الدولية لمساعدة ضحايا الفيضانات وإعادة البناء؛ وليس كل النازحين من مناطقهم، يغادرون بلادهم إلى الخارج، فحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يساوي عدد النازحين داخليا، نحو 60 بالمئة من عدد اللاجئين حول العالم، أي أن أغلبية النازحين يبقون في داخل بلادهم، في سوريا مثلا عدد النازحين في داخل البلاد، يعادل نحو ثلث عدد السكان وهي النسبة الأكبر في العالم بحسب مفوضية الأمم المتحدة. وبعد سوريا تأتي كولومبيا واليمن بنحو 13 بالمئة ثم أفغانستان 9 بالمئة وجمهورية كونغو الديمقراطية 6 بالمئة وأثيوبيا 3 بالمئة.