متابعة – التآخي
تعتزم المعارضة التركية إجراء تغييرات عميقة وشاملة على المشهد السياسي التركي وحتى على مستوى السياسة الدولية إن هي فازت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، بحسب قولها؛ فما هي حدود وملامح هذه التغييرات؟
تعهد تحالف المعارضة التركي بإلغاء عدد من سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان إذا فاز في انتخابات ١٤ أيار ٢٠٢٣، بما في ذلك العودة إلى الديمقراطية البرلمانية والتشديد النقدي وإحداث تحول كبير في السياسة الخارجية للبلاد.
وفي الشهر الماضي، كشف كمال كليتشدار أوغلو- المرشح الرئاسي لتحالف الأمة المكون من ستة أحزاب – عن برنامج المعارضة لأول 100 يوم في السلطة. وقد تراوحت التعهدات بين العودة إلى تطبيق التوقيت الصيفي وتخفيضات الضرائب والتأمين ونظام التوظيف القائم على الجدارة لجميع الوظائف العمومية.
الوعد الرئيس للمعارضة هو العودة إلى النظام البرلماني الذي يقول التحالف إنه سيكون “أقوى” من النظام المعمول به قبل التحول في عام 2018 إلى النظام الرئاسي الحالي. وسيتم إعادة منصب رئيس الوزراء، الذي ألغاه أردوغان عن طريق استفتاء عام 2017، وسيكون دور الرئاسة “محايداً” بلا مسؤولية سياسية. كما سيجري إلغاء حق الرئيس في نقض التشريعات وإصدار المراسيم.
وسيقطع الرئيس علاقاته مع أي حزب سياسي وسيخدم لفترة ولاية واحدة فقط مدتها سبع سنوات وبعد ذلك يُمنع من النشاط السياسي. وسينص الدستور على منح البرلمان سلطة التراجع عن الاتفاقات الدولية كما سيتمتع بسلطة أكبر في التخطيط لميزانية الحكومة. وفي مجال الإدارة العامة، ستُلغى المجالس والمكاتب التابعة للرئاسة وستُحول مهامها إلى الوزارات ذات الصلة.
ووعد تحالف الأمة بخفض التضخم الذي بلغ 44 بالمئة في نيسان إلى خانة الآحاد في غضون عامين واستعادة استقرار الليرة التي فقدت 80 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في السنوات الخمس المنصرمة.
وسيضمن التحالف استقلالية البنك المركزي وسيتراجع عن إجراءات مثل السماح لمجلس الوزراء باختيار محافظه. وسيعد تشريعاً يسمح للبرلمان بإقرار قوانين بشأن مهمة البنك المركزي واستقلاله التشغيلي وتعييناته رفيعة المستوى. وستنتهي السياسات التي تتدخل في سعر الصرف المتغير بما في ذلك مخطط حكومي يحمي الودائع بالليرة من انخفاض قيمة العملة.
وتعهد التحالف بخفض الإنفاق الحكومي عن طريق تقليص عدد الطائرات التي تستعملها الرئاسة وعدد السيارات التي يستخدمها الموظفون وبيع بعض المباني الحكومية.
أيضاً وعد التحالف بإعادة النظر في جميع مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وسيراجع التحالف مشروع محطة أكويو النووية التي تملكها كيانات حكومية روسية وسيعيد التفاوض على عقود الغاز الطبيعي مما يقلل من مخاطر الاعتماد على دول معينة لواردات الغاز.
وأعلن التحالف أنه سيتبنى شعار “سلام في الوطن، سلام في العالم” كحجر زاوية لسياسة تركيا الخارجية. وفي حين وعد التحالف بأنه “سيعمل على استكمال عملية الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي” فإنه تعهد بمراجعة اتفاق اللاجئين لعام 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
وسيقيم علاقات مع الولايات المتحدة تستند إلى الثقة المتبادلة وعودة تركيا إلى برنامج الطائرات المقاتلة إف-35. وستحافظ تركيا على العلاقات مع روسيا “على أساس أن كلا الطرفين متساويان وسيجري تعزيزها بوساطة الحوار المتوازن والبناء”.
وتعهدت أحزاب المعارضة الستة بضمان استقلالية القضاء الذي يقول منتقدون إن أردوغان وحلفاءه يستعملونه لقمع المعارضة وهو اتهام نفته الحكومة. وسيؤخذ في الاعتبار استعداد القضاة للالتزام بأحكام المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عند تقويم الترقيات.
وسيتم إلزام القضاة وممثلي الادعاء العام الذين يتسببون في انتهاكات حقوقية تؤدي إلى تغريم تركيا في المحكمتين بدفع الغرامة. وستتخذ تدابير لضمان سرعة تنفيذ المحاكم للأحكام الصادرة عن المحكمتين.
وسيتم إصلاح مجلس القضاة وممثلي الادعاء العام وتقسيمه إلى كيانين لمزيد من المحاسبة والشفافية، كما سيتم إصلاح البنية والعمليات الانتخابية في المحاكم العليا مثل المحكمة الدستورية ومحكمة النقض ومجلس الدولة.
وسيضمن التحالف أن يكون الاحتجاز لحين المحاكمة هو الاستثناء. ويقول منتقدون إن السلطات تسيء استخدام هذا الإجراء في عهد أردوغان. وتعهد التحالف بترسيخ حرية التعبير والحق في تنظيم التظاهرات.
يشار إلى أن الانتخابات تجري وسط مشاعر عداء متزايدة ضد اللاجئين في تركيا، ومع اقتراب موعد الاقتراع، تساءل مرشح المعارضة الرئيس كليتشدار أوغلو “ماذا يفعل 3.6 مليون سوري” في تركيا؟ وتعهد بإرسالهم إلى بلدهم في غضون سنتين، لكنه برغم ذلك حذر من “العنصرية” ضدهم.
وتعهد كليتشدار أوغلو بإعادة اللاجئين الذين فروا من الحرب في سوريا المجاورة خلال السنتين المقبلتين، إذا فاز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة.
وقال أوغلو أمام تجمع للناخبين في مدينة إسكي شهر بوسط الأناضول “سنرسل أشقاءنا وشقيقاتنا السوريين إلى بلادهم في سنتين على أقصى تقدير”.
ولم يوضح كيفية تنفيذ خطته الطموحة. وشدد خبراء في وقت سابق على أنه لا يعد من الأمور القانونية إجبار السوريين، الحاصلين على الحماية المؤقتة في تركيا، على العودة لوطنهم.
وجاءت تصريحات كليتشدار أوغلو وسط مشاعر عداء متزايدة ضد اللاجئين في تركيا، التي تكافح بالفعل في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وتعهد كليتشدار أوغلو بإصلاح العلاقات مع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك سوريا، وركّز على البطالة المتنامية في تركيا؛ وحذر برغم ذلك من “العنصرية” ضد السوريين. وعادة ما يلقي كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس، باللائمة على الرئيس رجب طيب أردوغان ، وتعهد بإصلاح العلاقات مع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك سوريا.
وتنظم الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية في 14 أيار وستبت في بقاء الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الذي يحكم البلاد منذ عقدين، في السلطة من عدمه.
وتخوض المعارضة الانتخابات بجبهة موحدة من ستة أحزاب اختارت مرشحا واحدا للرئاسة هو كمال كليتشدار أوغلو، المدعوم من حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للكورد الذي يعد القوة السياسية الثالثة في البلاد وثاني تنظيم معارض في البرلمان.
وتشير أحدث الاستطلاعات إلى أن السباق بين كليتشدار أوغلو والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان سيكون محموما في الانتخابات.
وفي سياق آخر، كان وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في تركيا وروسيا وإيران وسوريا قد اجروا محادثات في موسكو في وقت سابق وصفتها أنقرة وموسكو بأنها بناءة، وذلك في إطار جهود لإعادة بناء العلاقات التركية السورية بعد عداء دام سنوات خلال الحرب في سوريا.
وقالت وزارتا الدفاع التركية والروسية في بيانين منفصلين إن الوزراء ورؤساء المخابرات ناقشوا في الاجتماع تعزيز الأمن في سوريا وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؛ وأفاد البيانان بأن الدول الأربع شددت مجددا على رغبتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضرورة تكثيف الجهود من أجل عودة اللاجئين السوريين سريعا إلى وطنهم.