منارات عراقية … انور شاؤول مواطن يهودي مبدع غدره البعث وأرداه حب العراق

أ.د. عبد الإله الصائغ

كرَّست الدراسات اللاهوتية المقارنة، ظاهرة تتمثل في أن جميع الكتب السماوية المقدسة، حررت للإنسان والوطن منـزلة عليَّة! وآية التكريس تتجلى في ذلك الذي أورده القرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، والكنز ربا (كتاب الصابئة)،

وقد عززت الدراسات الناسوتية المنـزلة نفسها! فلن تجد ماركسيا أو وجوديا أو متديناً أو علمانياً أو وثنياً …. إلخ لن تجد احدا في اي زمان واي مكان يقلل من قَدْر الإنسان اوِ الوطن أو يهوَّن شأنهما!! والحديث عن أوروك (الوركاء) أو عروق أو عراق: يكتسب لهبا مقدسا مختلفا على نحو ما! فثمة وحدة بين الانسان والوطن والخلود! كل يعود الى بلاده: جلجامش الى اوروك والسموأل بن عاديا الى العراق وامرؤ القيس الى كندة.

 

 

هل قلت السموأل؟ هو يهودي جاهلي. قال في الوطن وحبه وقداسته مالم يقله لقيط الإيادي وهو شاعر عربي جاهلي ذاب في عشق العراق فوضع روحه في موقد الوطن! وما زلنا نردد شعر السموأل اليهودي باعتزاز تام كما نردد شعر ابراهيم طوقان (الفلسطيني الذي كتب النشيد العظيم: موطني موطني العراقي) وقد حالفني الحظ بأن أكون عام 1969 ضمن الوفد العراقي لاتحاد الأدباء العرب برياسة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وكان ضمن وفدنا الشاعر العراقي اليهودي الكبير أنور شاؤول إبن الحلة البار. وقد ربطتني به صداقة حميمة فكنا نجلس معا ونخرج معا وقد علق احد الخبثاء حين رآنا معا (جاء اليهوديان! فقال له انور شاؤول بل قل جاء العراقيان!) ولن أبالغ إذا زعمت أن هذا الشاعر كان متصوفا في حب وطنه العراق وقرأ قصيدة في حب العراق استدرت دموع الوفود العربية!! ثم ضايقته سلطة البعث وكانت تتمثل في أحمد حسن البكر وصدام حسين مما اضطره الى مغادرة العراق 1971 ولبث الحنين الى الوطن يعتصر عمره حتى قضى رحمه الله في 14 كانون اول ديسمبر1984 ولعل من باب الوفاء لهذا المثال المشرق في حب العراق أن نتذكر شيئا من قصيدته القافية التي انشدها1969 في قاعة الخلد بحضور الجواهري ونزار قباني واعلام الأدب المدعوين عهد ذاك. انشدها وكأنه ينشج:

وفي أرشيفي الذي تركته في العراق (أمانة الله ورسوله عند الشاعر عبد الرزاق الربيعي) صور تجمعني بهذا العراقي النبيل منها كما اذكر واحدة تضم عبدالله سلوم السامرائي وكان وزيرا للإعلام وسلافة حجاوي وكاظم جواد وانور شاؤول وعبدالإله الصائغ وآخرين، ولبثت المراسلات بيننا فترة اقامته في لندن ثم انقطعت بعد ان لمح لي انه يدنو من شبح الموت ولكن شبح الموت خجول معه، وكنت أحدس أن حبه للعراق وحنينه سوف يقتلانه وقد صدق حدسي!!

 

 

 

مارس الحكم البعثي ضده صنوف الاهانة والترويع وتعرض للاغتيال مرتين واسقطت عنه الجنسية العراقية مما اضطره الى ترك العراق فأقام في بريطانيا ردحا من الزمن وحيدا فريدا! ثم هاجر الى اسرائيل حيث لم يمهله الموت فمات في 14 ديسمبر 1984 اي بعد تاريخ ميلاده بيوم واحد فكأن المعنى ان عمره كان يوما واحدا طويلا!! واريد ان يلاحظ معي القارئ الكريم هذه.

القطعة الوجدانية وهي تبوح وجد الصلة بين نبض اليهودي العراقي المظلوم وبين الوطن الذي طرده وروعه، كيف عبر انور شاؤول عن عميق احترامه للإسلام !

 

وقد لاحظ الشاعر الجواهري الكبير: مذكرات محمد مهدي الجواهري طبعة دار المنتظر /بيروت 1999 ج2 ص85 وهو يتحدث عن حكم الإعدام الذي نفذ بقادة شيوعيين في اربعينات القرن العشرين (كما كانت أخشاب المشانق الأربعة واليابسة على اطراف بغداد شاخصة في وقت واحد لا لمجرد انها حملت أوزار الأنفاس الأخيرة لشهداء اربعة بل لأنها كانت تحمل الى ذلك رمزا آخر، فواحد منهم كان شيعيا وآخر كان سنيا وثالث مسيحيا ورابع يهوديا)!

 

 

انور شاؤول أبصر النور في محلة الكَلج بمدينة الحلة 13 كانون الاول 1904 ونشط في الحلة واشتغل معلما ثم انتقل الى بغداد واشتغل معلما في المدارس الاهلية ودخل كلية الحقوق العراقية وتخرج فيها سنة 1931 وكان وطنيا غيورا اسهم في التظاهرات والقى شعره الوطني بين جماهير كلية الحقوق وحين صدر قانون الدفاع الوطني سنة 1934 وادخل خريجو المدارس العالية في دورات ضباط الاحتياط سنة 1939 كان الشاعر المحامي انور شاؤول في دفعة تلك السنة وقد كان فخورا بملابسه العسكرية العراقية بحيث التقط عشرات الصور الفوتوغرافية.

 

 

ولم تكن اسهامات انور شاؤول الوطنية والادبية محدودة فقد شارك في تكريم العلامة عبد العزيز الثعالبي وكذلك دعا في بغداد الى تكريم عاشق بغداد الاستاذ زكي مبارك و كتب قصيدة جميلة في تكريمه عنوانها ورود من ليلى المريضة في العراق وفي العنوان مس بالحكومة العراقية ورثى الزعيم سعد زغلول بقصيدة كما رثى اصدقاءه بقصائد وفاء منهم على سبيل المثال عبد المحسن السعدون وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي كما رثى ابراهيم هنانو كما كتب شعرا في الحرية وفي استقلال افريقيا وحينما نشبت الحرب العالمية الثانية كتب هجاء لهتلر وموسوليني! قال فيه الأديب العربي الكبير احمد حسن الزيات هذا القول (انور شاؤول ثاني اثنين مهدا لكتابة القصة وعدا رائدين الأول محمود احمد السيد) وقال رائد القصة القصيرة العراقية والقصة الريبورتاج الاستاذ جعفر الخليلي (انه من اوائل كتاب القصة الحديثة واشهد ان مجلته الحاصد كان لها ابلغ الأثر في تشجيع كتابة القصة الحديثة والفنون الإبداعية والأدبية) نشر انور شاؤول مجموعة مهمة من قصصه التي لبث حتى الآن قسم منها مخطوط وفي رحمة النسيان والعدم! الحصاد الأول 1930 اربع قصص صحية 1935 قصص من الغرب 1937 في زحام المدينة 1955 ولديه كتاب مخطوط يتضمن (ذكريات بين الوطن والمنفى).

 

* اعماله الشعرية: همسات الزمن 1956 فجر جديد 1983

* اعماله داخل العراق: مسرحية مترجمة تأليف وليم تل 1932

قصة عليا وعصام 1948 وعملت فلما سينمائيا فيما بعد.

الطباعة وفنونها 1967

قصة حياتي في وادي الرافدين 1980

قد يعجبك ايضا