متابعة ـ التآخي
تتوالى الخطوات العربية لدفع عجلة التطبيع مع النظام الحاكم في سوريا تباعا، وبات من يرفض عودته للجامعة العربية قلة قليلة؛ فكيف وصل الأسد إلى هذه النتيجة؟ ومن هم أكبر الرابحين والخاسرين؟
الإشارات مستمرة على قرب عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وهذه المرة شارك وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في اجتماع لعدد من وزراء الخارجية في العاصمة الأردنية عمان، وهو أول اجتماع من هذا القبيل يحضره مسؤول سوري رفيع المستوى يمثل النظام، منذ تعليق الجامعة العربية لعضوية سوريا.
لم تخلص عن الاجتماع خلاصات كثيرة، أو بالأحرى نتائج تدل على اتفاق لعودة النظام السوري إلى الجامعة، لكن التنسيق بين الحاضرين في عدة ملفات أعطى إشارات إيجابية لدمشق، إذ جرى الاتفاق على جعل العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين “أولوية قصوى”، وجرى الاتفاق على التعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات.
وقبل سفره إلى الأردن زار المقداد القاهرة التي لم تخف اتصالاتها مع نظام الأسد في الآونة الأخيرة، كما يكرر العراق نداءاته بعودة سوريا للبيت العربي، فيما استأنفت السعودية الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بينها وبين سوريا، وهي اليوم من الفاعلين الرئيسيين في بحث التطبيع العربي مع سوريا، إذ نظمت الشهر الماضي اجتماعاً في جدة شهد حضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن نظرائهم في الأردن ومصر والعراق.
ويشير عبد الباسط سيدا، الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري (معارضة)، أن الأسباب التي أدت إلى تجميد عضوية سوريا لا تزال قائمة، لكن لا توجد استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع الملف لأسباب منها الأزمات التي تعيشها عدة دول عربية وبحثها عن مصالحها، بحسب قوله.
ويضيف سيدا أن عودة النظام إلى الجامعة لن تغير شيئا “الأزمة السورية ستبقى مستمرة، وأكثر من نصف الشعب السوري يرفضون هذا النظام”، على حد وصفه، موضحا أن الدول العربية لم تتدخل بشكل فاعل لحل المشكلة، بل راهنت على “حلول ترقيعية ستطيل أمد الأزمة”، بحسب تعبيره.
من جانبه يقول الباحث السياسي والصحفي محمد قواص إنّ “هناك تحولات على مستوى النظام الدولي وتحولات على مستوى الداخل في الشرق الأوسط، ومن ذلك المصالحة الخليجية، وأخرى بين مصر وتركيا، وتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية”، مبينا أن “العرب يعتقدون أن بقاء سوريا بعيدة عن الحضن العربي، جعلهم بعيدين عن مسار الأوضاع في سوريا، بخاصة مع تأثير ثلاث قوى في هذا البلد هي إيران وتركيا وإسرائيل”، بحسب الكاتب والمحلل السياسي شوقي عشقوتي.
بيدَ أن الكاتب والمعارض السوري المقيم في ألمانيا أكرم البني يرى إن عودة النظام إلى الجامعة العربية غير كافية في نجاح التطبيع العربي وإن كانت شرطاً لازماً له، ويوضح “قد يعود النظام السوري لمقعده في سياق توسيع المقايضات بين إيران والسعودية، لكن التطبيع الكامل معه بحاجة إلى تنازلات مهمة من قبله لا يزال يرفض تقديمها”.
ويحيل البني هنا إلى “ضمان عودة آمنة للاجئين والحد من صناعة وترويج المخدرات، في وقت تنازل فيه الجانب العربي عن فكرة الانتقال السياسي، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين” وفق تأكيد المتحدث.
ويلفت الباحثون الى انه في بداية الحرب السورية، كان نظام الأسد معزولاً بعدما قطعت جلّ الدول العربية والغربية علاقاتها معه بسبب القمع الدموي لحركة الاحتجاجات ضده؛ بيد أنّ دخول روسيا على الخط، وتشرذم المعارضة السورية، وظهور جماعات ارهابية ومتطرفة، فضلاً عن انتعاش الصراع بالوكالة في داخل الأراضي السورية بين عدة قوى إقليمية، كلها عوامل جعلت الأسد يعود ليسيطر على الأرض، على حد وصفهم.
ويشيرون الى ان بشار الأسد رفض تماماً فكرة التنحي عن السلطة، وفرض نفسه المخاطب الأبرز المتحكم في المساحة الأكبر من سوريا، وهو ما ظهر في الزلزال الأخير، عندما استغل ضرورة وصول المساعدات ليجني مكاسب دبلوماسية متعددة، بحسب قولهم.
يذكر ان الإمارات أعادت علاقاتها مع النظام السوري عام 2018 ثم زار الأسد أبو ظبي للمرة الأولى منذ مدة طويلة في آذار 2023.
ويقول أكرم البني ان “إحجام الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا عن لعب دور فاعل ومؤثر في الشأن السوري في سنوات الثورة وبعدها، هو ما منح الأطراف الداعمة له كروسيا وإيران نجاحاً عسكرياً وقدرة سياسية كبيرة”، متابعاً “ضعف المعارضة السورية، والانشغال الغربي بالحرب في أوكرانيا، والتحرر النسبي للدول الخليجية من الحسابات الأمريكية لصالح حساباتها الخاصة، كلها عوامل زادت الأمر سوءاً”.
لكن هناك أسبابا أخرى، برأي عبد الباسط سيدا الذي يقول، أن النظام السوري وضع العالم أمام بديلين “إما الإرهاب والفوضى، أي ظهور جماعات إرهابية ومتطرفة، ومن ذلك “داعش” وهيئة فتح الشام، أو الاستبداد والفساد”، كما يتواجد عامل بارز بحسب قوله هو “رفض إسرائيل تغيير هذا النظام، ما دفع الروس والأمريكيين إلى إجراء تفاهمات لاستمرار نظام الأسد مع مراقبة التحركات الإيرانية”، على حد وصفه.
كما توجد عوامل أخرى أتاحت تخفيف الضغط على الأسد حسب سيدا، منها تغيّر أولويات الدول، ومن ذلك التفاهمات التي جرت بين تركيا وروسيا، ثم انشغال دول الخليج بحرب اليمن، والولايات المتحدة بصراعها مع الصين ثم الوضع في أوكرانيا فيما استمرت إيران في ضغطها.
وبرأي الباحثين فان أكبر رابح من عودة محتملة لسوريا إلى الجامعة العربية هو النظام السوري أولاً، باستعادته لـ”الشرعية العربية”، وداعموه الرئيسيون في المنطقة كإيران وحزب الله. والرابحون كذلك هي الدول العربية التي رفضت قطع العلاقات مع سوريا كالجزائر والعراق، وكذلك الدول الأخرى التي أعادت سريعاً العلاقات كتونس والإمارات.
وروسيا بدورها ضمن أكبر الرابحين، بخاصة ما يتعلق بمكاسب اقتصادية وجيو سياسية لموسكو في منطقة حساسة كالشرق الأوسط، مضيفين الى ذلك القول، ان “إيران هي المستفيد الأكبر، أوراقها كبيرة في عدد من الدول، وبعدما كانت تركز على العمل العسكري انتقلت الآن إلى ما هو سياسي” يوضح سيدا الذي يحذر من أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تعني “فسح المجال لإيران، ما قد يجعل الدول العربية تدفع الضريبة غاليا، بسبب الخطط التوسعية الإيرانية ومحاولتها إجراء تغييرات على المجتمعات المحيطة”، بحسب قوله.
اما الخاسر الاكبر بحسب المعارض أكرم البني فيوضحه بالقول “يصح اعتبار شعوب المشرق العربي وفي مقدمها الشعب السوري ونخبه السياسية والثقافية الشريفة، هم أكبر الخاسرين، وتحديداً حين يفضي هذا المسار إلى طي صفحة المحاسبة على ما جرى من تدمير وقتل وارتكابات فظيعة، ويسمح بالإفلات من العقاب”، بحسب تعبيره.