كتب رئيس التحرير
الشعب الكوردي كجميع الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية،ادرك اهمية الاعلام والصحافة للتعريف بقضيته العادلة ونيل حقوقه المشروعة،حيث توج تلك الأهمية للصحافة والاعلام في 22 نيسان 1898 عندما صدر العدد الاول من جريدة (كوردستان)في القاهرة بجهود جبارة من الامير”مقداد مدحت بدرخان”.
بعد وضع اللبنة الاولى للصحافة الكوردية في المهجر ، توالت صدور العديد من الصحف الكوردية على يد الكتاب والمثقفين الكورد بجهود وامكانيات متواضعة ذاتية ،وشقت الصحافة الكوردية طريقها بشكل كبير في 4 نيسان من عام 1958 باصدار جريدة (خەبات)لسان حال الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومن ثم اصدار جريدة (التآخي) باللغة العربية في 29 نيسان من عام 1967.
لم تكن (التآخي) منبرا خاصاً للحزب الديمقراطي الكوردستاني فحسب بل منبرا حرا لجميع الأقلام الوطنية العراقية بمختلف توجهاتها وافكارها واضحت العين الرقيبة الثاقبة على سياسات ونهج النظام في تلك الحقبة والصوت الشجاع المنتقد لسياسات النظام التي كانت بالضد من المصلحة الوطنية العراقية،مطالبة في الوقت نفسه بإرساء النظام الديمقراطي في العراق والحكم الذاتي للشعب الكوردي في اطار الدولة العراقية.
ونتيجة الالتزام بخطها الوطني ونهجها السليم للدفاع عن القيم والمبادئ الانسانية الوطنية اصبحت (التآخي) في مواجهة مباشرة مع نظام “عبدالرحمن عارف” ومن ثم نظام البعث برئاسة “احمد حسن البكر” وتعرضت لضغوطات وتحديات كبيرة من اجل تغيير مواقفها ازاء السياسات الشوفينية والعنصرية التي كانت تُمارس لتمزيق الوحدة الوطنية والتنصل عن منح الحقوق القومية للشعب الكوردي، ولهذا السبب ارغمت الصحيفة على التوقف عن الصدور لفترات متفاوتة آخرها كان في 12 اذار 1974، ولم تعاود الصدور في بغداد الا في 10 ايار 2003 بجهود حثيثة من الكاتب والباحث وعمود الصحافة الكوردية الراحل “فلك الدين كاكايي”، وبالرغم من التطور الهائل في العمل الصحفي والاعلامي وزحمة الفضائيات والاذاعات والصحف والمواقع الالكترونية بتوجهات مختلفة بعد التغيير، إلا أن عودة “التآخي” كانت بمثابة اشراقة شمس جديدة في الوسط الثقافي والاعلامي العراقي ،محافظة على مكانتها المرموقة بين الصحف العراقية اليومية العراقية فضلا عن حفاظها على دورها وتأثيرها وثقلها الفاعل في المسيرة التنويرية ونشر الوعي الوطني والقومي لتثبيت دعائم النظام الديمقراطي وذلك باستقطاب العديد من الاقلام العراقية الوطنية الحرة من مختلف المكونات والتوجهات الفكرية التي كانت عاملا اضافيا لنجاح الصحيفة.
لم يكن هذا الدور الفاعل والوطني للتآخي متماشيا مع سياسات ونهج البعض من القوى السياسية العراقية المرتبطة بالاجندة الاقليمية التي وصلت الى دفة الحكم بعد سقوط نظام البعث وكانت تعتقد ان هذه الصحيفة تشكل خطرا جديا على مصالحها، ومن هذا المنطلق كانت “التآخي” تتعرض بين فترة واخرى لضغوطات من قبل القوى الميليشاوية التي فقدت صوابها ولم تعد تتحمل استمرار الصحيفة بالاصدار ولغرض اسكات هذا الصوت الديمقراطي الوطني المعبر عن آمال وطموحات الشعب العراقي بجميع مكوناته لم يبق امامها سبيل سوى الأقتحام المسلح لمقر الجريدة في تموز من عام 2014 وسرقة محتوياتها الثمينة واتلاف الاثاث ومستلزمات العمل وتهديد وترويع كوادرها وموظفيها، لكن هذا العمل الجبان المشين المخالف للقانون والنظام الديمقراطي لم يلين من عزيمة كوادر الصحيفة في الاستمرار في مسيرتها المشرفة بل زادهم اصرارا على المضي قدما لبناء عراق حر ديمقراطي وبعد توقف دام حوالي ثمانية اشهر عاودت الصدور في نهاية نيسان من عام 2015.
وبرغم تلك المسيرة الشاقة والتحديات الكبرى ،الا ان (فريق العمل) لم يستسلم ولم يرضخ للواقع المر ولم يتراجع ازاء تهديدات الميليشيات وابت ان تصمت حيال الاوضاع الشاذة والمخالفات الدستورية والقانونية فضلا عن غول الفساد الذي تربع على عرش العراق بعد 2003 واستمرت “التآخي” بفضح ونشر الحقائق للرأي العام وتوعية الجماهير.
مع قيام الثورة المعلوماتية والطفرات الكبيرة التي حدثت في عالم الاتصالات وتوجه معظم الصحافة العالمية نحو الاصدار الالكتروني، واكبت التآخي هذه التطورات والمتغيرات في عالم الصحافة و توقفت عن الصدور الورقي في اواخر عام 2017 واتجهت نحو الاصدار الالكتروني بتغيير اسلوب عملها بطرق حديثة تتلاءم مع الواقع الجديد للصحافة العالمية بحيث اصبحت في متناول جميع القراء في ابعد نقطة من الكرة الارضية.
بعد تلك المسيرة الشاقة والزاخرة بالمواقف المشرفة التي امتدت لاكثر من خمسة عقود ،نحتفي اليوم بالذكرى السادسة والخمسين لصدور العدد الاول من صحيفة “التآخي” باللغة العربية لنحيي جميع القامات الصحفية والاسماء اللامعة الذين كان لهم دور واسهام في بناء هذا الصرح الصحفي الرصين ، كما نحيي جميع الاقلام العراقية الوطنية الحرة الذين كان لهم دور كبير في رفد الصحيفة بنتاجاتهم السياسية والادبية والاجتماعية والاقتصادية ونشر الوعي الثقافي بين الجماهير خدمة للمصلحة الوطنية وحقوق الشعب الكوردي المشروعة، معاهدين ابناء شعبنا الكوردي المناضل والاحرار من جميع المكونات العراقية بأن الصحيفة ستبقى الصوت المعبر عن آمال وطموحات الشعب وستستمر بمسيرتها لبناء دولة المواطنة وعراق حر ديمقراطي يحكمه الدستور والقانون والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بشكل عادل لينعم الجميع بخيراته من دون تمايز.