مأساة

ديار كاظم

لم اعد اشتاق اليكِ تعرفين لماذا لانكِ رحلتي عنا دون سابق إنذار ولا احب ان ازوركِ في المقبرة لكي لا اتالم من ذكراكِ ولا اعرف ماذا بقي من جثتكِ في مزارك.. الذي اعرفه لم يبقى لنا معكِ اي شي حتى نبرة صوتكِ قد زال في اذاني ولا أتذكر معنى الحب والعاطفة والحنان معكِ قبل 32 سنة وفي مثل هذا التاريخ 17 نيسان 1991 وكان يصادف اليوم الاول من عيد الفطر رحلتي عنا حيث كنا نهرب من عمليات قمع الانتفاضة من قبل البعثيين وسميت انذاك بالهجرة المليونية التي هزت ضمير الانسانية في العالم، وبعد ايام رحلت عنا ايضاً اختي الصغيرة چرا .. حقاً كانت أيام عصيبة لا توصف فكل شخص منا يحمل في ذاكرته مئات الصور والقصص الأليمة، في حينها كان عمري 11 عاماً رأيت كل المعاناة، عندما انزلت الطائرات العسكرية لقوات التحالف المساعدات والغذاء من خلال مظلات الهبوط فوقعت في حقل الغام رأيت شخصاً كان قد داس على الالغام وقطع قدمه وينادي فقط اعطونى القليل من الماء واطلقوا النار على راسي، رأيت امرأة تنجب طفلها وبعد فترة وجيزة ترحل على قدميها، كان الناس يشربون من مياه الانهر والجداول والثلوج كانت مغطات بالدخان الاسود بسبب حرق ابار النفط الكويتية، وتتطور رائحة النفط في ماء النهر و طعمه النفط بحد ذاته، رأيت الناس يتغطون بجانب النهر .

أصيب الناس بامراض معدية كالكوليرا والجرب الجلدي وغيرها، الناس كانت تقاتل من اجل البقاء، وأتذكر بعض الحثالات كانوا يستقلون سيارات لاندروفر صغيرة الحجم كانوا يهربون البنزين والكعك والتفاح ويبيعونها بثمن غالي عندما اتذكر هذه الظروف وهؤلاء الناس القذرين المستغلين لا اعلم ماذا اقول لهم فقط اعرف بانهم لا يستحون من اي شي يعملون كل شئ من اجل كسب المال.

أتذكر قام احد مصلحي السيارات بتحوير محرك سيارته لكي تشتغل بالنفط الأبيض لكن محاولته باتت بالفشل وحرقت سيارته، وأصيبت عائلته بحروق، رأيت عجوزة قد ربطت على ظهر بقرة ورايت أناس قد خابت امالهم ولم تسطع الاستمرار وكانوا يقولون كفانا لماذا نرحل لا فرق فيما ان نموت هنا او هناك لنعود الى بيوتنا، رأيت الناس تقضي حاجتهم أمام بعضهم ولا احد يفرق بين الذكر والانثى كل الاماكن كانت مليئة بالمأساة.

كان طابور السيارات من حاج عمران الى مدخل مدينة السوران الحالية بطول 70 كم وكان حركة السيارات لم تتجاوز عدة كيلومترات في اليوم الواحد وايران كانت تماطل في التفتيش السيارات التي تدخل الحدود وكل سيارة كانت تستغرق في تفتيشها زهاء ساعة من الزمن وكانوا متنمرين على الناس بشدة رايت عجوزاً كان يتحدث مع الباسدار الايراني بالفارسية ومن نبرة صوته عرفت بانه كان غاضباً منهم ورد عليه الباسدار الايراني بسحب اقسام السلاح الجيرسي الامريكي صوب اذنها
ثم قام برفع فوهة البندقية الى السماء واطلق رصاصة سقطت العجوز على الارض وحرقت اذنها ولم يستطع احد ان يساعدها ثم جاءت سيارات الاغاثة ونقلوها الى خانه، رأيت ايضا جبلا من السلاح قد تم اخذه من الناس قبل دخولهم الى ايران ولا اعلم ماذا حل بالسلاح فقط اعرف قد نصبت خيمة هناك وكان هناك بعض البيشمركة يكتبون اسمائهم وياخذون السلاح منهم، في حادثة مرعبة اخرى تم اخذ ثأراً في تلك اللحظة حيث قتل شخصاً امام عائلته ولم يبالي احد بما جرى الكل كان يريد ان يهرب، هذا الحدث المأساوي الكبير القاتل في ذاكرتي مازالت تفوح منها رائحة موت الأطفال وقتل الرجل وهم احياء وطمس الانسانية.

فقط اتذكركِ عندما استلم راتب الشهيد وقد خصص لكِ 250 الف ديناراً اخذ حصتي منها واتبرع به لاحد الفقراء عسى ولعل ان يحسب لكِ بالخير، انتم الشهداء الحقيقيون حيث كان النزوح الجماعي نحو الحدود العراقية التركية الايرانية ملحمة جديدة في رفضه للدكتاتورية تمثلت في الهجرة المليونية مما ادى الى تدخل الامم المتحدة وقرارهم المرقم 688 في تحديد منطقة حظر الطيران الجوي بعد خط العرض 36 لمنع القوات العراقية من العودة مجدداً إلى مناطق كوردستان.

لروحكِ السلام يا والدتي التي لم تتجاوز عمرها 39 عاماً.

قد يعجبك ايضا