*فاضل ميراني
مجرمو الانفال لم يتركوا ركنا من اركان الدكتاتورية يفوتهم، بل زادوا بأن فصّلوا النظام و زمانهم و المكان لتقديم انموذج يجمع حتى قابلية تحور الفكر لأنتاج اسوأ حاضر و ارث، حاضرهم يومذاك و ارثهم الذي لم يزل من متبنيات من هم كما يقال بحقهم: القوم ابناء القوم.
منذ حققت الانقلابات اثرها بتسيد هرم ينتهي بشخص يتحكم في كل شيء، كان من المنطقي التصور- قد حدث- ان الازالة للفراد من الوجود هم ليس في عرف ذاك النظام الا قرار واجب التنفيذ محمي بشرعية قرارات يصفها بالثورية بحسب فهمه و دعايته، تتبعه اجهزة حكومية بعقيدة حزبية، مهمتها تحويل الفكرة/ القرار، لاجراء، و الاجراء مع كل الاسف و ببساطة هو قتل مدنيين تم نزع حقهم بالحياة و دفنهم قتلى او احياء في مقابر جماعية، ذلك ان النظام يعاقب بحسب هوى قوانينه بجزاء سياسي فيقطف رؤوس مواطنين بجريرة قوميتهم.
العملية الامنية العسكرية وضعها فاعلوها تحت اسم مستحضر من الكتاب العزيز، فالانفال( اسم العملية) هو كما معلوم اسم ثامن سور القران، و استخضار الدين في دعاية الدكتاورية امر تاريخي متكرر، غايته التدليس على الحقيقة و التهرب من التاريخ و بث سوابق سيئة للعقل الحاكم و حتى للافراد و الجماعات المتخاصمة للشروع بمنطق يكون فيه الفاعل للجريمة مؤمنا و الضحايا مستحقين للعقاب.
الانظمة التي تتورط في مثل هذه الجرائم، تكون انظمة مقيدة لتوافر المعلومة، مستغلة سيطرتها على الاعلام و فلترته، و تقديم قاعدة بيانات بعيدة عن الحقائق و الوقائع، وبالتالي فهي تحتفظ بأرشيف غالبا ما يكون شفاهيا يختص بالعلم به قلة من رؤوسها. لا يمكن ان يتحقق ما تقدم دون ان تكون لدى الفاعلين في السلطة خصلة الكذب، بدأ من الشعارات مرورا بالدعاية المتعمدة للشارع او للخارج لتقدم مشروعها وفق ما يناغم او يداعب الخيال المخدر للمجتمعات الباحثة عن ابطال او قساة او ما يحلو لقسم تسميته ( العادل المستبد) في لعب خطابي و ( سحر يؤثر) لادامة التضليل قدر الامكان، و انتهاء بأقتراف الجريمة ثم اتيان غيرها لتضييع الاولى، و هكذا تبقى الامور من جرم لجرم.
شخص الحاكم
لا تنتهي القضية هنا، بل تكون منقوصة ان لم يكملها وجود عديد بشري يشكلون قوات ذات سمة امنية مهمتها حماية شخص الحاكم و التحرك بحسب بوصلة مخاوفه، فأن رأى ان الاسلحة الكيمياوية علاج لمخاوفه من شعبه نثروا عليهم الغاز، وان اراد ان يقتل استباقيا وبصمت و غيلة، شدوا وثاق الناس مهما كان عددهم وازالوهم من الوجود. لا يصرح المجرمون بفعلتهم، بل و يبررون ان مثلوا امام قضاء نزيه، ليدلوا بدفوعات ويصرحوا بدوافع من نسج خيالهم ليكيفوا العمل بما يهدم اركان التجريم، و يظهروا بمظهر الذي لم يكن امامه ان يتهاون في خدمة الوطن.
امثل هذه العقول و القدرات كانت لتمتنع عن مثل هذه الجريمة؟
لقد انفلوا الكرد الفيليين، ثم انفلوا البارزانيين، وانفلوا عشرات الالوف مجتمعين او متفرقين من مناطق كردستان.نحن نعلم لم فعلوا ذلك، نعلم بحسب وقتنا و نعلم تاريخيا من هم مثلهم في الجريمة، و نعلم بل و نخشى من بقاء هذه الجرثومة الفكرية و امكانية ظهورها مرة اخرى، فالعقل الذي لا يفهم معنى الحكم لا يقدم الا نماذج مجرمي فعلة الانفال.
*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني