*فاضل ميراني
انتجت تجربتنا في كردستان وعيا سياسيا مبكرا وفق ملامح اداء كردية، و كان قدرنا ان الوعي السياسي تحرك ليكون ثورة، و لتنفجر ايلول ١٩٦١، بما شكل صدمة لعقل السلطة العسكرية وقتها و التي يبدو انها جهلت حجم الجهد السياسي التوعوي الذي بذله الملا مصطفى البارزاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني للتحرك نحو بث الروح في القضية القومية و بعدها الوطني بغير التصور السطحي للسلطة التي تريد تدجين المكونات ذخيرة لمنهجها في ادارة الدولة، خالطة بين الخدمات الواجبة و المنفذة من اموال الشعب و بين نتائج التوجهات في العلاقات الخارجية و الداخلية و التي جاءت كارثية بعد ذلك.
التنمية السياسية.
ليس المجتمع الكردي و الكردستاني مجتمعا سهلا للعمل السياسي، فالعناصر و التركيبة المجتمعية في مجتمعنا و لدى تحليلها عناصر و تركيبات تحتاج لدقة في خلق نقاط التواصل معها، فبين الرعوية و الفلاحة و هي النسبة الاكبر للمتراكم البشري، و للجغرافيا السياسية الخطرة التي جرى جرحها لصالح مشاريع سياسية دولية، كذلك الهرمية التي كانت مستقرة زمن بدء المجهود السياسي لحزبنا للعمل بين جماهير شعبه للخروج من معادلة المجاملة التي تقوم بموجبها السلطة بمنح مناصب تشريفية او تنفيذية مختصرة شعبا بأكمله، كل ذلك لو جرى تأمله لعرف المتتبع اي واقع كان سائدا و كم كانت نتائجه مخيبة لأمتنا، و اي واقع صنع حزبنا و كم كانت نتائجه ضخمة و عائدة بالنفع على امتنا و الوطن الاكبر و العراق.
التنمية السياسية التي اشتغلنا عليها و اشتغل عليها سلفنا الحزبي و السياسي و ستشتغل عليها قوى حزبنا و شركاء تشخيصنا لخلايا الحياة السياسية، التقطت الدور الامثل للافراد و الجماعات بواقعية رافضة الجبرية الممارسة قديما لجعل الافراد و الجماعات بأدوار اقل من تقليدية راضية كذلك بالمن و عائشة وفق المستقر في الاذهان من قصص السلطان و الرعية العوام.
ان سر قوة امتنا يكمن في ثقل تاريخها النضالي الذي حاولت اغلب السلطات اطفاءه و تحييده و اشغاله بما يفوت عليه فرص الانطلاق.
هذا السر لم يكن خافيا عنا فنحن جزء منه، و لذا فقد كان اذكاؤه هي مهمة السياسيين الخُلّص الذين شدت على ايديهم يد البارزاني، فكان ان تسارعت الوتيرة تاريخيا لتكتب نهاية فصل طويل اعتقدت فيه السلطة انها نحرت رقبة التحرر و الحقوق الخاصة بنا و التي لم نتنازل عنها و لن.
رافق كل جهد التنمية السياسية فكر و جهد التحديث، حيث انضجنا مع شركائنا واقعا طموحا كشف حقيقة مشاريع الوهم و التخبط عند الخصوم، فكنا واقعيين منتبهين لمطالبنا، وهي مطالب شعب و امة ومطالب شركاء يمثلون هويات اصيلة ضمن معادلة شعوب العراق، و بتلك المطالب و لاجلها ثقفنا و حاورنا و دفاعا عنها قاتلنا، و لاجل دوامها نبقى نثقف و نحاور و ندافع، ولك و لكِ ان تتخيلا قارئنا و قارئتنا كيف ادمنا العمل لعقود بكل شحيح الامكانات و كيف زال الخصم برغم وفرة ما تحت يديه.
التنمية و التحديث السياسي ليسا بالامرين الهينين، لا من حيث الامساك بهما و لا من حيث العمل عليهما، و هما امران ان لم يكونا حقيقيين و يشكلا حاجة حيوية، فمصيرهما الى الزوال او العطب.
تنميتنا و تحديثنا السياسي تجليا في الاستعداد للادراة و قبول الاخر فعلا لا بنسخة مكذوبة، و في تقبل الثمن لأجل حيازة الافضل و في اختيار الفيدرالية و في تسهيل وصول المعلومة لقواعد الحزب و فئات المجتمع التي تختار بلا دعاية منا ان تكون في دفع مجهود حزبنا لما حققه و يحققه و في مضمون منجزاته و طبيعة علاقاته و عمقها، و في ضخ الفكر الديمقراطي تجربة ناجحة لا شعارا للاستهلاك، فكان ان تشكلت بيئات ناجحة في مضامير حياة شعبنا امنا و ثباتا لا يكدرها الا بقايا متناثرة من ارث ماضي التسلط و محاولات من طموحهم ان يكونوا جماعة مرفهة على حساب التاريخ الذي كانوا فيه عونا للظالمين او لتأثرهم بدعاية بقايا زمن الدكتاتوريات.
*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني