التخلي عن الدولار … البرازيل والصين تتفقان على التعامل باليوان والريال

 

 

 

 

 

متابعة – التآخي

في خطوة جديدة نحو التخلي عن الدولار الأمريكي، أعلنت البرازيل والصين أنهما اتفقتا على استعمال عملتيهما المحليتين في التبادل التجاري فيما بينهما، بدلًا من  الدولار.

جاء الاتفاق في منتدى أعمال صيني برازيلي رفيع المستوى عقد في بكين، ويعدّ خطوة جديدة تضاف لسلسلة من الاتفاقيات السابقة نحو التعامل بالعملات المحلية بدلًا من العملة الأمريكية، فيما تستمر الصين بضم مزيد من الدول إلى دائرة البلدان المتعاملة باليوان والعملات المحلية في التجارة الخارجية.

ويؤدي طرفا الاتفاق أدوارا هامة في شكل السوق العالمي، فالصين هي صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فيما تعد البرازيل أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، وتقول الوكالة البرازيلية للترويج للتجارة والاستثمار (أبيكس برازيل)، في بيان، إن “هناك توقعات بأن هذا سيخفض التكاليف ويعزز التجارة الثنائية أكثر ويسهل الاستثمار”، علما أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للبرازيل، اذ بلغت قيمة التبادل بينهما نحو 150 مليار دولار العام الماضي.

ويعد الدولار الأمريكي العملة المعتمدة في معظم الحركات التجارية العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يعطي الاقتصاد الأمريكي ميزة، لأنه يطبع الأوراق النقدية المستعملة في التجارة الدولية، بحسب المحللين الاقتصاديين، الذين يقولون إن هذا يشكّل فائدة للولايات المتحدة على حساب العملات المحلية في دول العالم، التي تكون مضطرة لشراء الدولار لتسديد تجارتها الخارجية؛ وهم يرون، ان اعتماد الدول على عملاتها المحلية يعزز من اقتصادها ويساعدها على تخفيف كلف التبادل التجاري بين الدول، لكن في الوقت ذاته الوصول لهذه المرحلة من التخلي عن الدولار يحتاج إلى إجراءات وسياسات تتطلب وقتًا طويلًا.

يقول باحث، إن الاتجاه في التخلي عن الدولار ليس جديدًا في دول العالم اذ سبقه إجراءات مماثلة بين دول عدة في السنوات الماضية، لكن الجديد في القرار الصيني البرازيلي، هو أنه يأتي بين دولتين كبيرتين اقتصاديًا، ما يعني أنه خطوة إضافية نحو إحداث تغيير في آليات التعامل الاقتصادي.

ويقلل أكاديميون من الآثار الاقتصادية للقرار، بالقول “إن 60% من دول العالم لا زالت تستعمل الدولار الأمريكي كاحتياطي أجنبي في بنوكها المركزية، فضلا عن أن التجارة العالمية والمؤسسات المالية الدولية، وان المؤسسات المالية التابعة للأمم المتحدة جميعها تعتمد على الدولار الأمريكي، ما يؤشر على القوة المالية والنقدية التي يتمتع بها الدولار ومن خلفه الولايات المتحدة”، مشيرين إلى، إن هناك محاولات تتزعمها الصين وروسيا منذ مدة لإسقاط دور الدولار الأمريكي كرائد في التجارة العالمية، ويعود السبب لرغبة الدولتين في إضعاف هيمنة الولايات المتحدة على العالم سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيًا، ضمن السعي لخلق نظام عالمي متعدد القطبية لا تتبوأ فيه الولايات المتحدة مركز الصدارة أو الهيمنة.

وبرأي خبراء  إن هذا القرار يعزز من اقتصاد البرازيل، بالأخص أن بكين هي أكبر شريك تجاري للبرازيل، على حد وصفهم، مستدركين إنه برغم الفائدة التي ستعود على بكين، لن يكون من مصلحتها إضعاف الدولار الأمريكي إلى حدّ كبير، اذ أنها تملك أكبر احتياطي من الدولار في العالم بعد الولايات المتحدة، نظرًا لحجم التبادلات التجارية الكبيرة بين الدولتين.

لكن لا يتفق الباحثون في الشأن الاقتصادي مع هذه الاعتبارات، لأن كلا الدولتين ستتعاملان مع الدول الأخرى بالدولار، بحسب قولهم، كذلك يرون أن بكين تشكّل قوة اقتصادية لا يستهان بها، وسبقت دولًا كبيرة من ناحية الإنتاج الإجمالي القومي، كما أنها تتوسع في نفوذها الاقتصادي والسياسي في مناطق مختلفة في العالم، ما يجعلها تملك أدوات تغيّر من شكل وسير التجارة العالمية، ويضيفون إنه إذا استطاعت الصين الحفاظ على نسب النمو الحالية، فإنها ستصبح الأقوى على مستوى العالم، وهذا يمكنها من التصرف بحُرية أكبر فيما يخص العملات التي تتعامل بها.

ويؤشر باحث اقتصادي إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على الصين، ويقول إن في هذا دليل على خشية الولايات المتحدة من النهوض الصيني اقتصاديًا وسياسيًا.

وبرأي بعض الخبراء فإنه برغم أن البرازيل تشكّل نقطة محورية في حجم التبادلات التجارية، إلا أن مثل هذه الخطوات بين الصين والبرازيل لن تكون حاسمة في الوقت الحالي فيما يخص الأثر على الولايات المتحدة، بحسب قولهم.

واتخذت عدد من الدول في العالم خطوات مشابه في السنوات الماضية، حيث أعلنت البرازيل والأرجنتين استعدادهما لإطلاق عملة مشتركة بينهما تشبه اليورو. كما تعمل روسيا وإيران معًا على إنشاء عملة مشفرة مدعومة بالذهب لاستعمالها في التجارة العالمية. كما وقّعت الإمارات والهند اتفاقية تجارة حرة في العام الماضي بهدف زيادة المعاملات غير النفطية مع طرح فكرة إجراء تجارة غير نفطية باستعمال الروبية الهندية.

ويصف خبراء كل إجراء يجري فيه التحول عن الاعتماد على الدولار يزيد من الأعباء الاقتصادية الأمريكية، من دون أن يؤثر عليها الآن بشكل مباشر، لكن سيسحب منها القوة الاقتصادية، والوزن السياسي مستقبلًا؛ ويعتقد خبراء أن الصين لا تفكر في إضعاف الاقتصاد الأمريكي، لكنها تريد أن تؤدي دورًا في التقليل من هيمنة الدولار، ودفع الولايات المتحدة نحو القبول بشراكة في هذا المجال، للوصول لصيغ إقتصادية ومالية جديدة، عبر الضغوط التي تمارس من قبل بكين وروسيا؛ وفيما يتعلق بتأثير ذلك على مناطق أخرى ومنها الشرق الوسط، يعتقدون أن تأثير القرار البرازيلي الصيني على الاقتصاد السعودي مثلا سيكون بسيطاً، لكن قد يؤثر بشكل فعال إذا ما اعتمدت المملكة العربية السعودية الاتجاه نفسه الذي تفعله البرازيل الآن، وهو أمر مستبعد، ذلك أن الدولار متجذر في كل التجارة البينية والخارجية حاليًا، ويرون أن السعودية ستتريث كثيرًا قبل إتخاذ مثل هذا القرار.

قد يعجبك ايضا