د. نايف كوردستاني
الفساد آفة من الآفات الخطيرة في المجتمع،وهي ظاهرة قديمة قدم المجتمعات، ومختلفة من عصر إلى عصر،وظاهرة الفساد موجودة بأغلب دول العالم،لكن بنسب متفاوتة لكن الدول القوية اقتصاديًا،وسياسيًا،وأمنيًا،وعسكريًا،وتربويًا،وتعليميًا،وصحيًا هي من الدول المتقدمة في كل شيء ولها مكانتها،واحترامها لدى المجتمع الدولي،وأصبح هناك وعي كبير لدى الشعوب المتحضرة بأن الفساد هو يسبِّب انهيار الدول؛فلابدَّ من مكافحته واستئصال هذا الداء العضال من جسد الدولة ،ومحاسبة الفاسدين،وتقديمهم إلى العدالة لكي ينالوا جزاءهم العادل في المحاكم،ويكون عبرة لغيرهم؛لأن عدم محاسبة طبقة الفاسدين وفقًا لمبدأ القرابة،والعشيرة،والمنطقة، والقومية، والحزبية
،والمصالح المتبادلة بين الطرفين فأننا مهددون بالانهيار عاجلًا أم آجلًا !
والعراق من البلدان التي تتصدر قائمة الدول الفاسدة،وقد ذكرت(منظمة الشفافية العالمية)بأن العراق احتل المرتبة(7)ضمن قائمة الدول العربية الأكثر فسادًا،وبالمرتبة (157) في أكثر دول العالم لعام(2022)من أصل(180)دولة مدرجة على قائمة الفساد،وبذلك يبقى العراق في المرتبة نفسها عربيًا وعالميًا منذ عام (2021)!
إن ظاهرة الفساد ليست من الظواهر الجديدة في العراق بل يعود تأريخ الفساد إلى الاحتلال العثماني،من ثمَّ تأسيس الدولة العراقية الملكية التي شجَّعت على الإقطاعية،وازدادت حدة الفساد من سنة(1968)حتى سنة(9نيسان2003)،وسنركِّزُ على الفساد من بعد سنة(2003)أي من بعد سقوط نظام البعث الذي كان مثخنًا بالفساد أيضًا نتيجة للعقلية الهمجية للسلطة الحاكمة الذي أدخل العراق في متاهات سياسية بمحاربة شعبه،والحروب العبثية التي خاضها كحملات الأنفال بمراحلها الثمانية ،والإبادات الجماعية بحق البارزانيين،وضرب مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية،والحرب العراقية الإيرانية التي دامت(8)سنوات والمعروفة بالحرب الخليج الأولى،ومن ثَمَّ حرب الخليج الثانية بدخول صدام إلى الكويت في(2آب 1990)،وعلى إثرها أصدر مجلس الأمن القرار المرقم (661)في(6آب 1990) بفرض عقوبات اقتصادية على العراق،وكان الهدف من هذا الحظر التضييق عليه لإرغامه على سحب قواته من الكويت.
علمًا أن صدام حسين من سنة(1979) حتى (2003) كان المستحوذ والمهيمن على كلِّ شيء في العراق فضلًا عن أنصاره،والمؤيدين له كانوا من المتنعِّمين من النظام الاستبدادي (الدكتاتوري)!
ومن هنا دبَّ الفساد في مفاصل الدولة جميعها،وقلّت معايير النزاهة لدى كثير من الموظفين العاملين في المؤسسات الحكومية ،وانغماس أغلب الموظفين في الفساد حتى النخاع لأسباب كثيرة منها الاقتصادية.
وبعد سقوط النظام البعثي في(9 نيسان 2004) كان الشعب العراقي يتأمّلُ من الطبقة السياسية الحاكمة التي جاءت إلى السلطة بأن تُغيِّر الأوضاع الاقتصادية ،والأمنية، والاجتماعية، والسياسية، والتربوية ،والتعليمية،والصحية نحو الأحسن،والأفضل بتحسين المستوى المعيشي للشعب العراقي،وتطبيق معايير النزاهة،ومحاسبة طبقة الفاسدين،ومراقبة أداء الموظفين في عملهم،لكن الطامة الكبرى بأن الفساد يُعشعشُ في مفاصل المؤسسات الحكومية ،وهنا سنميطُ اللثام عن الفساد المستشري في مفاصل المؤسسات الحكومية، وأشكاله ،وأسبابه،ومكافحته،وآثاره السلبية على المجتمع العراقي.
ما هو الفساد؟
الفسادُ لغةً:من الفعل الثلاثي(فَسَدَ) الفاءُ وَالسِّينُ والدَّالُ كلمةٌ واحدةٌ،فَسَدَ الشَّيءُ يَفْسُدُ، فسادا ،وفُسُودًا،وهُو فَاسِدٌ وَفَسِيدٌ.
والفَسادُ:أخْذُ المالِ ظُلْمًا،والمَفْسَدَةُ:ضِدُّ المصلحة ،وفَسَّدَه تَفْسيدًا:أفْسَدَه،وتَفاسَدوا:قَطَعوا الأَرحامَ،قَال تَعَالَى:{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً}[المائدة:33]أي بإخافة الناس،وقطع طرقهم،وسلب أموالهم،والاعتداء على أعراضهم.
وفسادًا يصحُّ أن يكون مفعولًا من أجله،أي يحاربون ويسعون لأجل الفساد،ويصحُّ أن يكون مصدرًا واقعًا موقع الحال،أي:ويسعون في الأرض مفسدين،ويصحُّ أن يكون منصوبًا على المصدر،أي أنه نوع من العامل قبله؛لأن يسعون في الأرض معناه في الحقيقة يفسدون،ففسادًا اسم مصدر قائم مقام الإفساد ،والتقدير يفسدون في الأرض بسعيهم إفسادًا.
قال الراغب الأصفهاني:”الفَسَادُ:خروج الشيء عن الاعتدال،قليلا كان الخروج عنه أو كثيرًا،ويضادّه الصّلاح،ويستعمل ذلك في النّفس،والبدن،والأشياء الخارجة عن الاستقامة”.
الفسادُ اصطلاحًا:هو إساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح خاصة،وانتهاك السلوك الاجتماعي فيما يتعلّق بالمصلحة العامة .
وعرَّفت(منظمة الشفافية الدولية)الفساد الإداري بأنه:”كلُّ عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته”.
إن استشراء ظاهرة الفساد في العراق أصبحت سمة بارزة نتيجة وجود بيئة،ومناخ ملائمين لكثير من المنتفعين،والوصوليين،والانتهازيين،والمتسلقين،وسياسيي الصدفة،وأحزاب الإسلام السياسي بحيث تفاقم الفساد في مفاصل الدولة جميعها،وليس من السهل السيطرة عليه كُليًا لكن بوجود إرادة حازمة من قبل الجهات المعنية ربّما يمكن التقليل منه تدريجيًا لكن المنتفعين من الفوضى الخلّاقة في ظل الديمقراطية العرجاء والمشوّهة فهم كثيرون!
في العراق هناك ثلاث مؤسسات رقابیة تعمل على مكافحة الفساد الإداري،والمالي وهي:
1-هیئة النزاهة العامة:أنشأت هیئة النزاهة بموجب الأمر (55)لسنة(2004) مهمتها التحقیق في حالات الفساد المشكوك فیها كقبول الهدایا،والرشوة،والمحسوبیة، والتمییز على الأساس العرقي،أو الطائفي،واستغلال السلطة لتحقیق أهداف شخصیة،أو سوء استخدام الأموال العامة.
2-المفتشون العامّون:أنشأت مكاتب المفتشین العامين بموجب الأمر(57)لسنة (2004)في الوزارات كافة مهمتها المراجعة،والتدقیق لرفع مستویات المسؤولیة،والنزاهة،والإشراف على الوزارات،ومنع حالات التبذیر،وإساءة استخدام السلطة،والتعاون مع هیئة النزاهة من خلال التقاریر التي تُقدّم عن حالات الفساد في الوزارات المختلفة.
3-دیوان الرقابة المالیة:وهي الجهة المسؤولة عن التدقیق المالي في العراق،وهي من المؤسسات القدیمة،وتم تفعیل دورها بموجب الأمر (77)لسنة(2004)مهمتها تزوید الجمهور،والحكومة بالمعلومات الدقیقة الخاصة بالعملیات الحكومیة،والأوضاع المالیة لغرض تعزیز الاقتصاد من خلال مهمة التدقیق المالي،وتقییم الأداء لغرض مكافحة الفساد المالي.
على الرغم من وجود هيئة النزاهة الاتحادية،ومكاتب المفتش العام،وديوان الرقابة المالية،ولجنة النزاهة الپـرلمانية إلا أن حدة الفساد لم تنخفض فالعبرة ليست بتشكيل اللجان،والمكاتب لكن المشكلة تكمن في آلية التطبيق على أرض الواقع،ومن المؤسف أن نقول بأن هناك تحفظات على عمل تلك اللجان،والمكاتب المتقدِّمة الذكر،وهناك تورّط واضح من تلك الجهات أيضًا في عمليات الفساد،وتضلعهم بملفات الفساد.
وفي ظل وجود الميزانيات الانفجارية بالعراق لسنوات كثيرة إلا أن حجم الفساد بدأ بالتزايد ويتفاقم إلى مراتب متقدِّمة وينخرُّ جسد الدولة نخرًا مع انعدام المشاريع،والبنى التحتية،وارتفاع معدلات الفقر،وانتشار البطالة،وعدم وجود فرص العمل للطبقة الشبابية،وهدر للمال العام بسبب الفساد الذي أصبح مرضًا مزمنًا في الدولة العراقية فكل من يتحدّث عن الفساد يُحارب إعلاميًا، وسياسيًا، وسيلاحق قانونيًا،فكثير من الملفات الفساد تُفتحُ لابتزاز شخصيات،وجهات سياسية كورقة ضغط عليها،وكثير من ملفات الفساد أغلقت مقابل ملايين الدولارات،ويعترفون بذلك صراحة عبر القنوات الفضائية من دون وجود رادع،ومحاسبة قانونية لتلك الشخصيات،والجهات السياسية بحيث أن الفساد أصبح أمرًا طبيعيًا،ومُدْعاةٌ للفخر أمام أقرانه وخلانه،والجهات السياسية التي تقف وراءهم،وسنتطرق عن بعض ملفات الفساد من بعد سنة(2003)!
أشكال الفساد في العراق:
1-اختلاس المال العام:وهو الحصول على أموال الدولة،والتصرّف بها من غير وجه حق بشكل سرّي تحت مسميات مختلفة.
2-نظام المحاصصة:وهو تشكيل الحكومات وفق أسس عرقية،أو دينية،أو مذهبية طائفية، والمشكلة ليست في القوميات،أو الديانات،أو المذاهب لكن تغليب طرف على طرف، وتهميشه، واستعمال سياسة الإقصاء،وإلغاء الطرف الآخر مشكلة كبيرة،ومشكلة المحاصصة أن كلَّ طرف لديه ملفات فساد فيحاول كلُّ طرف التستّر على الطرف الآخر،واتباع سياسة(غطيلي وأغطيلك)، فكل وزارة تابعة لمكوِّن معين من دون المكونات الأخرى!
3-الرشوة:مال أو هِبةٌ تُعطى لمسؤولٍ لقضاء حاجةٍ أو مصلحةٍ حقًّا أو باطلًا،ويُعاقبُ القانونُ كُلّ مَن تلقّى رَشوةً والرشوة:أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل مخالف لأصول المهنة،وهي منتشرة في كثير من الدول الغربية والدول النامية.
3-الوساطة:وهي التوّسط أي التدّخل لصالح فرد ما،أو جماعة من دون الالتزام بأصول العمل، والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بأصول القرابة،أو المناطقية،أو القومية،أو الانتماء الحزبي على الرغم من كونه غير كفوء،أو لايمتلك شهادة جامعية من ضمن الاختصاص.
4-المحاباة:وهي تفضيل جهة على جهة أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.
5-التسيِّب في العمل:وهو التأخير في المجيء إلى العمل،وتعجيل المغادرة،والمبالغة في استقبال الزوّار،وقراءة الكتب،والمجلات،والجرائد في محل العمل،أو ترك محل العمل لأسباب غير منطقية، وهذا من قبيل التراخي في العمل،وعدم القيام بالمهام الموكلة إليه!
6-بيع المناصب الحكومية بمبالغ مالية:هناك مناصب الوزارية،ووكلاء الوزراء،ومديرين عامّين تباع بين بعض الكتل السياسية،وهذا الأمر لا يختلف عليه اثنان ولا يتناطح فيه كبشان!
7-غسيل الأموال:يتمثل غسيل الأموال في إخفاء،أو تمويه مصدر العائدات التي تمَّ الحصول عليها بطريقة غير مشروعة،بحيث تبدو أنها أتت من مصادر مشروعة.
8-استخدام الممتلكات العامة:مثل الأراضي،والمباني مملوكة من قبل السلطات العامة والحكومات غالبًا،وتستخدم للأغراض العامة،لكن تستغل لأغراض انتخابية لدى بعض المرشحين.
9-استغلال المنصب الوظيفي:استفادة الموظف العام من السلطة التي منحتها له وظيفته بطريقة غير مشروعة.
10-الإثراء غير المشروع:زيادة في الثروة من الأموال المنقولة أو غير المنقولة بما لايتناسب مع إيراداته المشروعة.
11-الابتزاز:هو القيام بالتهديد الآخر بكشف معلومات معينة عن شخص ما،أو فعل شيء لتدمير الشخص المهدّد،إنْ لم يقم الشخص المهدّد بالاستجابة إلى بعض الطلبات،وقد تكون هذه المعلومات عادة محرجة،أو ذات طبيعة مدمِّرة اجتماعيًا.
12-التهرَّب من الضريبة:هو سلوك غير قانوني يقوم من خلاله المُكلَّف ضريبيًا بالاحتيال على القوانين من أجل عدم سداد قيمة الضريبة المُستحقة عليه كُلِّيًا،أو سداد قيمة أقل من القيمة المُستحقة عليه ضريبيًا خلال فترة مالية محددة.
13-عدم ضبط المنافذ الحدودية:وذلك بإدخال الممنوعات كالمخدرات بأنواعها، وغيرها .
ما أسباب الفساد ؟
للفساد أسباب كثيرة منها:
1-اقتصادية:التفاوت الاقتصادي الحاد،فعدم العدالة في توزيع الدخل القومي يعني وجود طبقتين إحداهما غنية،والثانية فقيرة،فضلًا عن انخفاض الرواتب،وغلاء المعيشة،وأن أساس شغل الوظائف على نظام المحسوبية،والواسطات،والعلاقات الشخصية!
2-سياسية:تعيين القيادات الإدارية في المواقع المهمة بناءً على الولاء السياسي بغض النظر عن الكفاءات الإدارية،وهذا يفتح أبواب المحسوبية الإدارية،ووضع المسؤولين في مناصب العليا وعدم محاسبتهم كارثة سياسية كبيرة، فضلًا عن سياسة وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب!
ومن مظاهر الفساد السياسي،تزوير الانتخابات،أو شراء أصوات الناخبين،أو التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية،أو التأثير على قرارات المحاكم،أو شراء ولاء الأفراد والجماعات،فضلًا عن غياب النزاهة،والشفافية لاسيما في إحالة المشروعات إلى الشركات التابعة للمسؤوليين من دون الإجراءات القانونية المنضبطة.
3-اجتماعية:وهو الخلل في القيم الاجتماعية،والأسرية وهو أخطر أنواع الفساد على الإطلاق.
4-ثقافية:من ذلك استغلال كل وسائل الإعلام المتاحة لتكريس الانحطاط الثقافي والأخلاقي،وواقع الدونية،والبذخ،والترف،والميوعة لتضليل الجمهور عن وظيفته الأساسية تحت مسمى حرية الرأي.
5-إدارية:إن الخلل في الإدارة العامة له الأثر الكبير في انتشار ظاهرة الفساد الإداري،ويتمثل ذلك في عدم تحديد المهام،والواجبات بدقة في الجهات الحكومية،وتعقيد الإجراءات،وضعف الرقابة الذاتية في الأجهزة الحكومية.
6-قانونية:عدم تطبيق القوانين سوى على أفراد وطبقات معينة الذين ليس لهم جهات سياسية ساندة،فعند غياب سيادة القانون تنتهك الحقوق،والحريات من دون رادع،وعدم تطبيق شعار (القانون فوق الجميع)!
7-دينية:ترى بعض أحزاب الإسلام السياسي بأن من حقهم سرقة المال العام؛لأنهم يعدونه مجهول المالك!
8-ضعف دور الرقابة والإعلام والصحافة:للمراقبة دور كبير،وأداة فعّالة لمكافحة الفساد،والقضاء عليه أمَّا دور الإعلام والصحافة فليسا بالمستويين المطلوبين لخضوع كثير منهما تحت سطوة الأحزاب الحاكمة،واتباع سياسة(فن التغليس)،ودغدعة الرأي العام بأشياء تافهة أخرى!
9-الحروب العبثية:تعدّدت الحروب العبثیة المتوالیة على العراق للأنظمة السابقة مما أدى إلى العبث في وضع البلد فضلًا عن استشراء العنف الطائفي بعد سقوط النظام.
10-ضعف روح المواطنة،والانتماء للبلد ممّا أوصل المواطن العراقي إلى مرحلة عدم المبالات.
11-تدهور الأوضاع الاقتصادیة،وانخفاض معدلات الدخل القومي،وتفشي البطالة التي أصبحت مزمنة في البلد.
12-تهمیش دور منظمات المجتمع المدني المهنیة،ومحاولة تسیسها لصالح الأنظمة ممّا دفع إلى فقدان الرقابة الشعبیة على المفسدین.
مكافحة الفساد :
لمكافحة الفساد في العراق لابدَّ من اتباع الخطوات الآتية:
1-تفعيل دور هيئة النزاهة العامة،ومكاتب المفتشين العامين،وديوان الرقابة المالية بقوة فضلًا عن لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي.
2-اختيار شخصيات نزيهة،وقوية،وأصحاب كفاءة في هيئة النزاهة،ومكاتب المفتشين العامين، وديوان الرقابة المالية.
3-إصدار قوانين صارمة لمنع هدر المال العام،ومحاسبة المقصرين،وتقديمهم إلى القضاء من أكبر مسؤول إلى أصغر مسؤول.
4-عقد ندوات ثقافية من قبل المؤسسات الحكومية،والأكاديمية،ومنظمات المجتمع المدني لتوعية المجتمع حول مخاطر الفساد.
5-التعامل بحزم مع الفاسدين بعيدًا عن سياسة المحسوبية،والقومية،والمناطقية،والعشائرية.
6-وضع مفردات في المناهج الدراسية حول الفساد وتأثيراته السلبية على المجتمع العراقي.
7-منح الموظفين رواتب مجزية حسب المتطلبات،وغلاء المعيشة،وعدم الإقلال من سلم الرواتب،فأن ذلك يفتح بابًا للفساد،وأن تدّني رواتب العاملين،وارتفاع مستوى المعيشة،ممّا يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية أخرى بغض النظر عن مشروعتيها.
8-إعادة تقییم الشهادات الدراسیة وفق معاییر،وضوابط وزارة التربیة،والتعلیم العالي والبحث العلمي لاسيما للشهادات التي منحت من بعد سقوط النظام البائد في سنة(2003).
الآثار السلبية للفساد في المجتمع
1-الآثار المؤسسية: الفساد يؤدي إلى التغاضي عن المخاطر التي تلحق الناس في مأكلهم، ومشربهم،وفي مرافقهم الصحية،والتعليمية،وفي طرقهم،وفي الأنظمة الفاسدة تتدّنى مستوى الخدمات العامة،وتتعثـر المشاريع الخدمية،ويسوءُ التنفيذ،وتضعف الإنتاجية،فتهدر مصالح الناس،ويضعف الاهتمام بالعمل وقيمة الوقت،ويضطرب تطبيق الأنظمة.
2-الآثار الاجتماعية: الفساد يُزعزِع القيم الأخلاقية القائمة على الصدق،والأمانة،والعدل،وعدم الشعور بالمسؤولية،والنيات السيئة،وتكافؤ الفرص وعدالة التوزيع،وينشر الشعور بالظلم،مما يؤدي إلى حالات من الاحتقان،والحقد،والتوتر،والإحباط،واليأس من الإصلاح،وفيه إهدار لكرامة الفرد،والفساد يجعل المصالح الشخصية تتحكم في القرارات،ويضعف الولاء الصادق للحق، وللأمة،وللدولة،ويُعزِّز العصبية(المذهبية،أوالقبلية،أو الحزبية)،فهو يهدِّد الترابط الأخلاقي،وقيم المجتمع الحميدة المستقرِّة،والفساد يولِّد مشكلات خطيرة على استقرار المجتمعات، وأمنها، وقيمها الأخلاقية،وسيادة الأنظمة.
3-الآثار الاقتصادية:يقود الفساد الاقتصادي إلى الضعف العام في إيجاد فرص العمل،ويوسِّع ظاهرة البطالة والفقر؛بل يؤدي إلى الإخفاق في جذب الاستثمارات الخارجية،وهروب رؤوس الأموال المحلية،والإخفاق في الحصول على المساعدات الأجنبيةكنتيجة لسوء سمعة النظام السياسي؛لأن الفساد يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة التي تشكِّل شرطًا أساسيًا لجذب الاستثمارات المحلية،والخارجية على حد سواء،وهو ما يؤدي إلى هجرة الكفاءات الاقتصادية نظرًا لغياب التقدير،وبروز المحسوبية،والمحاباة في إشغال المناصب العامة،ومسببًا بهدر للموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة ،والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة؛وتراجع الاهتمام بالحق العام،والشعور بالظلم لدى الغالبية ممّا يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي،وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع.
4-الآثار السياسية: الفساد يُعيق تطبيق الخطط الصحيحة،والسياسات الإيجابية،كما يعرقل جهود التغيير نحو الأفضل؛بل إنه يقوِّض الدول ،والمؤسسات،ويبعثر وينخر في الإدارات،ويتناسب طردًا مع الانحرافات،والمنكرات،والأمراض المجتمعية،والأخلاقية وآثاره السلبية على النظام السياسي برمّته سواء من حيث شرعيته،أو استقراره ،أو سمعته.
كما يضعف المشاركة السياسية؛نتيجة لغياب الثقة بالمؤسسات العامة،وأجهزة الرقابة،والمساءلة.
يبدأ الفساد من أعلى هرم في السلطة إلى الأدنى في المؤسسات الحكومية،وفي ظل وجود الفساد فلابدَّ أن يكون هناك بطء في النمو الاقتصادي ممَّا يشكِّل إشكالية في توزيع الدخل،ونتيجة للفساد فأن الموازنة الاتحادية العامة تعاني دائمًا من نسبة كبيرة في العجز المالي في كل سنة!
ويمكننا القول بأن الحقبة الملكية في العراق شجّعت النظام الإقطاعي كنظام اجتماعي ممَّا أدى إلى هروب الفلاحين من قراهم إلى مناطق أخرى في تلك الحقبة،وبعد سقوط الملكية فأنّ هذه الممارسات استمرت طيلة فترات الحكم المتعاقبة بعد سقوط الملكية في العراق عقب ثورة (14 تموز) في سنة(1958)،لكن مظاهر الفساد وآثاره ظهرت بشكل جليّ أكثر إبّان فترة حكم النظام البائد،إذ أدّى السلوك السياسي للنظام البائد على زيادة مشكلات الفساد الإداري، والمالي، والسياسي،والأخلاقي للنخبة الحاكمة آنذاك،وشاعت قيم المحسوبية،والتمييز الطائفي،والمناطقي ضد أبناء الشعوب العراقية،وتفشت الرشوة،والسرقة لدى كبار المسؤولين في الدولة.
أما الفساد من بعد سنة (2003)فأنه أخذ بالتفاقم والزيادة وتنوّع أشكاله وصوره في ظل الموازنات الانفجارية في تأريخ العراق المعاصر !