عدنان رحمن
يحتفل الشعب الكوردي في كل أرجائه منذ زمن بعيد بهذا العيد، لارتباطه في الفكر تالجمعي بقيام ثورة كاوه الحداد، فضلاً عن ارتباطه بقدوم فصل الربيع المرتبط بالمناخ الطيب وبداية امور جيدة كثيرة للزراعة والثروة الحيوانية، وايضاً بجو الاحتفالات، الذي يُرافقه.
وكلمة نوروز: نه و: نو بمعنى الجديد، وباضافة روز اليها تصبح اليوم الجديد، وهو يوم الخلاص من برد الشتاء القارص وذكرى التحرر من الظلم والاستعباد.
جدير ذكره، أنّ هناك شعوب أخرى كثيرة تحتفل بعيد النوروز وبتسميات مختلفة، وتتحدث عنها كلٍ منها على طريقته من حيث التوقيت والغرض منه وطريقة الاحتفال، حتى عدد الأيام التي يحتفلون فيها.
لكن ما يهمنا هنا يوم نوروز بالنسبة للكورد، فقد كان للكورد طريقة خاصة في احتساب التاريخ المُرتبط بعيد نوروز في العصور الغابرة، بحيث كانت توضع وفق احداث ووقائع بالغة الاهمية، حتى الآن يوجد أناس، ولا سيما المُسنون منهم يتبعون تلك الطريقة القديمة في احتساب تاريخهم، لكن الخبراء المعنيين بتنظيم التقويم وضبط حساباتهم الزمنية اعتمدوا على وقائع حدثت في تاريخ حياة الشعب الكوردي منذ عصور قديمة، ويمكن اجمالها بما يأتي ():”
يرجع تدوين واعتماد هذا التاريخ الى ميلاد ( زراده شت) حيث عاش على الارجح 650 قبل الميلاد.
تعود الى حادثة سقوط ( نينوى) عاصمة الآشوريين بأيدي الميديين أجداد الكورد في العام 612 قبل الميلاد.
يعود الى تأسيس دولة ميديا شرق كوردستان تقريباً 700 قبل الميلاد.
علماً ان الباحثين والخبراء بهذا الشأن يحتسبون سنة التقويم الكوردي كما يأتي:
إما باضافة 612 ق- م، الى السنة الميلادية للحصول على السنة الكوردية المادية وعلى الوجه الاتي: 612 + 1983 = 2595.
أو بإضافة 700 ق- م الى السنة الميلادية وكما يلي: 700 + 1983 = 2683 السنة الكوردية المادية.
لقد كان منظمو التقاويم الكوردية يتبعون منذ بداية الخمسينيات حتى اوائل السبعينيات في القرن العشرين النظام الاول، ولكنهم بعد ذلك بدوأ يتبعون النظام الثاني.
جدير ذكره، إنّ المعلومات التاريخية حول تسمية أيام الاسبوع تشير الى أنها بدأت منذ عهد البابليين والعصر الروماني، حيث كانت بدافع ديني. فقد سمّوا كل يوم من ايام الاسبوع بإسم إله من الآلهة التي كانوا يعتقدون بها.
نود التنويه الى أنّ ترتيب أيام الاسبوع في التقويم الكوردي هو نفس ترتيب ايام الاسبوع في التقاويم العربية، حيث يبدأ الاسبوع بيوم السبت ويُسمى (شه مه) وينتهي الجمعة ويسمى باللغة الكوردية ( هه يني). فضلاً عن إنّ عدد الشهور في السنة الكوردية هي اثني عشر شهراً. أما بالنسبة الى اسماء الأشهر عند الكورد، فلها أسماء مُتعددة حسب المناطق المختلفة. لذلك كان من المعقول جداً اختيار الكورد لاسم نوروز للشهر الاول من السنة الكوردية، التي تبدأ في اليوم الحادي والعشرين منه. وان اكثرية اسماء الشهور في التقويم الكوردي هي اسماء مركبة، صيغت على بعض الأسس اللغوية.
وعندنا أسماء لاسابيع أشهر فصل الشتاء في التقويم الكوردي، التي تأتي تسميتها وفقاً لتغير الانواء الجوية. أما بالنسبة الى اختلاف الفصول بين مناطق كوردستان. فمثلاً في مناطق سهول گه رميان يُمكن التمييز بين فصلي الشتاء والصيف، لان بينهما فترتان زمنيتان قصيرتان تدوم كل منهما بين اسبوعين إلى اربعة اسابيع، وهما فصلا الربيع والخريف.
أما مناطق كويستان، فكان شتاؤها طويلاً وبارداً تهطل فيه امطار وتسقط في معظم ارجائها ثلوج كثيفة.
ولا بدّ لنا هنا ان نذكر الفترة التي تسبق قدوم اشهر الربيع ومنها شهر آذار وعيد نوروز وتسميتها عند الكورد، حيث ان هذه الفترة البالغة اسبوع تسمى ( خدر وئه لياس )، الذي يُصادف بين 11 حتى 17 من فترة ( ره شه مي) والموافق للفترة ما بين الثاني مِن آذار حتى الثامن منه. ويقول الناس عنـــــــــه: ( خدر سال ماپتر)، ويعني ( في اسبوع خضر لا ينتهي البرد) بل تبقى من الشتاء مدة تزيد عن نصفها.
ولكن رغم هذه الاقوال والآراء حول هذا الاسبوع، ففي حلوله تهب نسمات الريح الخفيفة، التي تُسمى ( باي واده) أي ( نسيم الميعاد)، ويُقصد بميعاد مقدَم الربيع، وحلول عيد النوروز، حيث يبقى من بداية ( خضر) حتى الاعتدال الربيعي ثمانية عشرة يوماً. و ( ئه لياس): الياس، يقع هذا الاسبوع بين الثامن عشرة حتى الرابع والعشرون من شهر ( ره شه مي) الموافق للفترة ما بين التاسع حتى الخامس عشرة من اذار، والقول السائر بين الناس ( ئه لياس سه رما ده بي خه لاس)، اي ( في الياس ينتهي البرد). ويقال: ( خدر وئه لياس ساليان كرد خه لاس)، أي ( ان خضر والياس قد انهيا السنة أي الشتاء).
تجدر الإشارة الى أنّ اسبوع الياس ينتهي في الرابع والعشرون من شهر ( ره شه مي) الموافق لـلخامس عشرة من شهر اذار، وفي هذا الوقت تقترب دورة السنة من الانتهاء، حيث يحِّل بعد ايام الاعتدال الربيعي، ويوم نوروز في اليوم الحادي والعشرين من اذار هو الدورة السنوية الكوردية الجديدة.
لقد ورد عن فصل الربيع من الفصول الكوردية الاربعة الآتي:
فصل الربيع: يبدأ حينما تدخل الشمس برج الحمل في اليوم الحادي والعشرين من شهر آذار، وفيه يتساوى الليل والنهار في المدة، وإنّ نوروز يُقال له ( خاكه ليوه- ئاخه ليوه- ئادار) وأيامه إحدى وثلاثون، وان إســـــــــــمَي ( خاكه ليوه) مأخوذان من ( خاك- هـــ – ليو) و ( آخ + هـ + ليو)، حيــــث ان كلا من الكلمتين ( آخ) و ( خاك) تُعطيان معنىً واحداً وهو التراب، وأتت التسمية من احتكاك شفاه المواشي بتراب ارض المراعي في مطلع الربيع بسبب قصر طول الاعشاب والتصاق تلك الاعشاب بالارض.
وان كلمة ( آدار: ئادار) مكوّنة من ( آو + دار) وحذفت الواو من كلمة ( آو) فأصبحت كلمة مركبـّة، التي تعني الطري، أو ( ذا الماء)، حيث تعود الطراوة الى الاشجار في هذا الشهر وتنمو براعمها لتتفتح عن اوراق جديدة وازهار زاهية.
أما شهر گولان فهو من برج الثور، فيسمى ( بانه مر) و ( شه سته بارانه)، وعدد ايامه ( 31)، وهو الشهر الثاني من فصل الربيع في السنة الكوردية، واسمه مكوّن من ( گول+ ان)، ويعني الزهور او السنابل، ولملائمة المناخ لنمو القمح والشعير خاصة. تسمى سنابلها باللغة الكوردية ( گوله گه نم= سنابل القمح) او ( گوله جــُيه= سنابل الشعير)، لذلك سُمّي هذا الشهر لدى الاوساط الفلاحية بـگولان، أي شهر ظهور السنابل ونضوجها التدريجي.
وان اسم ( بانه مه ر) مكوّن من ( بان+ هـــ+ مه ر)، ويُقصد به اصحاب الاغنام في كوردستان، الذين يذهبون بمواشيهم في هذا الشهر الى الهضاب ومناطق كويستان المرتفعة الباردة، حيث الكلأ والمراعي الجيدة. ويقال لهذا الشهر ( شه سته باران)، التي تعني هطول الامطار ستين مرة خلال فترة يوم واحد، ويصحو الجو بعد كل زخة مطر، أو تعني هطول المطر في هذا الشهر بغزارة.
أما شهر ( جو زه ر دان) فهو من برج الــــــــجوزاء، ويسمى ايضاً ( باران باران) و ( به خته باران) وعدد ايامه احدى وثلاثون، وإنّ اسمه مكوّن من ( جو + زه ردان)، اي اصفرار سنابل الشعير، حيث تجف حبوبها وتنضج قبل الحبوب الاخرى، لذا سمي ( جوز ه ردان). وان اسم ( باران + بران)، اي انقطاع المطر. وهناك رأي آخر حول تسمية ( باران بره) على أنها اسم طائر ذي لون اسود رمادي، يظهر في هذا الشهر في كوردستان ومع وروده ينقطع المطر تماماً، ويُقال ان مـَقدَم الطائر يسبب هذا الانقطاع لذا سمي بـ ( باران بره)، وهذا الطائر هو السنونو او الخطاف، اما تسمية الشهر بـ ( به ختران باران)، فتأتي من قلّة هطول المطر فيه، وتتكون الكلمة من ( به خت) و ( باران)، اي هطول الامطار وفق حظ الفلاح لسقي مزروعاته.