* فاضل ميراني
كنت وزيرا للداخلية في التشكيلة الثالثة لحكومة اقليم كوردستان في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي. والداخلية بتخصصها و امتدادها ليست مؤوسسة ضبط و أمن فقط، بل جهاز اعمق عملا، يشبه في واجباته الغوص في قاع المجتمع، بل هو الغوص فعلا وفي اصعب درجاته، اذا ان ثقة المجتمع بك تكون على محك حساس و على امتداد الساعة، فالواجب يقتضي ان يكون كل النشاط المجتمعي بتعدده بعيدا عن العبث، وان ترد المعلومة و ان تثبت دقتها و صحتها وان تحلل و يصار للتعامل معها.
تجربتنا كانت مضاعفة الحمل، فكياننا السياسي كان قد فارق النظام المركزي يومذاك بما لا يزيد عن خمس سنوات، و الاقتتال الداخلي و الادارتان و الاطراف المؤثرة اقليميا و دوليا لم تكن تدخر جهدا يزيد امتحاننا صعوبة. توجهيات الرئيس مسعود البارزاني لنا كانت نصب اعيننا و نترجمها في افعالنا، ومن كان مطلعا على واقع تلك الايام او باحثا عن تفصيلاتها مستقبلا، سيكون شيئا من تصور مُرضٍ يمكنه من الحكم لصالح جهدنا في الواجب الذي تشرفنا فيه و لا زالت تتشرف به هذه المؤوسسة في خدمة امن كوردستان و حتى العراق نظرا لموقع عملها ميدانيا ضمن خارطة البلاد حيث تغطي حدودا دولية و خطوط تماس داخلية بعضها ملتهب.
هدفي من هذا المقال ليس الحديث عن المعروف من عمل الداخلية او اي جهاز حماية رسمي و خدمي بمثل تخصصها، بل الهدف هو التمكين لدراسة السبل التي تدرس الجانب الفكري و المجتمعي، و بميزان و تنسيق مع كل الجهات التي من واجبها الاحاطة بحركة و توجه المجتمع المخدوم، اقتصاديا و تعليما و عقائد و ترابط فئوي. من هيكل الداخلية مرفق الامن، والامن قدرة قبل ان يكون عددا، او قوة، وكنا ووفق برنامج العمل الذي يتابعه الرئيس مسعود البارزاني نؤوسس لتوجه نجحنا في استنباته و حافظت عليه داخليتنا تباعا، وهو الوصول للفرد استقصائيا بغية حمايته، وفي تفصيل هذه الفكرة اقول: ان الفرد في نظرنا لم يكن كما اعتاد عليه المجتمع قبلا، مشكوك فيه حتى يثبت براءته، بل كنا نضع كل في اعتبار شغلنا ان التجربة في الحكم يجب ان تغاير التوجه سيء الصيت الذي ينمي الجريمة او يخلق ثقة مبنية على الخوف.
كنا دوما نضع تصورا لما يجب ان نعمل عليه في ملف الامن، فحصانة الفرد و المجموع من الانزلاق نحو الارهاب، او الخيانة، او النشاط في سوق المُجرمات من مخدرات و سلاح و تزوير و تزييف و ما يلحقها من جرائم الخطر و جرائم الضرر، تتطلب العمل الدؤوب لسد الثغرات التي من خلالها ينفذ دافع الذهاب بالفرد لعمل الجرم.
لذا فقد كنا نعمل (لسد الذرائع )التي يعلق عليها العابث بالامن فيتحرك لضربة عمياء او مبصرة لكياننا. تنجح اجهزة الامن ان تحركت ليس فقط بعلمية لتأدية واجبها، بل سيكون نجاحها اكبر و اكثر تأثيرا و ابعد مدى وانجع في تصحيح و صون مسار المجتمع.
اما البقاء على التحفز الامني الذي تسري عليه سجية الامن القمعي فلن يكون ناجحا، وان تمكن فليس اكثر من فترة وخلالها سيؤوسس لنشاط مكبوت متشنج يتحول مع الايام مصدرا للضرر.
*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني