التدريب الإعلامي السيئ

*فاضل ميراني

مخطيء من يعتقد ان الجمهور -قليله او كثيره- لا يتأثر او لا يتدرب وفق الدعايتين الاعلامية التي لا تبدو فيها السياسة واضحة، او السياسية التي تكون موجهة.

والدعاية التي تكون خلاصة خطاب سواء من التلفزة او الاذاعة او الصحف الورقية او الاليكترونية، لابد ان تجد لها جمهورا يتفاعل معها مهما كان محتوى الدعاية مؤذيا، ذلك ان المناعة و التحصن ضد الدعاية المخربة ليست امرا مفروغا من حيازته عند الجمهور، فهو شأنه شأن الدعاية، لابد له من جهد كبير مبذول لتنمية الوعي المنتج للسلامة.

ان حصر الدعاية بالوسائل الثلاث المعروفة من المرئي و المسموع و المكتوب امر فيه قصور، فكل منبر هو وسيلة دعاية و اعلان و اعلام، والمنابر لها تأثير واضح يتخطى بعضها في قوة تأثيره الفكري و الاجتماعي قوى تأثير دعايات ممولة بضخامة، ذلك ان الذكاء هو في تشخيص هوى الشريحة المستهدفة للدعاية و كم الجرعات التي تعطى لها و بترتيب و ايقاع ممتد بشد لا يهبط.

خطاب صحيح

من اللاذكاء القول بالفوز دوما للخطاب الصحيح في هذه المنازلة، فكثيرا ما تكون الغلبة للدعاية الاقوى اكانت صحيحة ام مكذوبة.

الدعاية و الاعلام هما سلعة، والسلعة يجري تصنيعها اذا ما كان عليها طلب، واحيانا ثمة من يصنع الحاجة ليصنع في ضوء طلبها سلعته، اذ ان المعاصرة الاجتماعية الحالية وهي تراتبية غير منظمة في مجتمعاتنا الشرقية، صارت لها من تراكمية الاحداث ما جعلها تقتنع بالبحث عن الخبر و التحليل في الاعلام، والاعلام ليس اخبارا مباشرة كله، فالفنون داخلة بشكل كبير في الاعلام غير المباشر، وليس الكل يفهم ان الفنون بنتاجها ليست وثيقة احتجاج على التاريخ، ومن هذا الطريق، جرى و يجري تدريب الجمهور على الدعاية التي توافق تربيته المجردة لا تربيته المنمقة التي تعاكس حقيقة واقعه، ولذا فلم يكن اعتباطيا سابقا ان يتم بث صور من المعركة خلال حرب السنوات الثمان بين العراق و ايران، حيث جرى تدريب عيون الناس و قابليتهم على مشاهد القتل، و الاشلاء، في عملية مدروسة لتخويف الجمهور من الخصم و افهامه انه ان لم يكن قاتلا فسيكون مقتولا، ويسند ذلك بكل المؤثرات التي تحكم طبيعة عاطفة مجتمعنا من شعر و لحن و شعارات.

في اوروپا مثلا، و كلما ارتفع ايقاع تأثيرات دعاية القوة اثناء خلاف سياسي بين دولتين و اكثر، يدخل الاعلام بأسلوب ذكي ليعرض مشاهد خراب من الحربين الكونيتين الاولى و الثانية، وهي رسالة تحول دون استكمال تفاعل مشاعر الغضب، فيثبط عند الجمهور استعداد الدخول في متاهة الصراع.

اعتقد ان كثيرا من وسائل الاعلام و على مدى العشرين سنة الماضية لم تكن الا عامل تأثير سيئا في الصراعين الداخلي و الدولي الممتد للداخل، ربما لقلة خبرة و هو الاحتمال الاكبر، و لربما لتدريب عقل الجمهور على ان الاعلام الحقيقي هو الاعلام الاجنبي( غير الوطني) فعندما يصار الى المجاهرة الرسمية بتبعية اجهزة الاعلام لنظام ما فذلك يكفي من حجة لنفور الجمهور الى من يدعي الموضوعية و الحيادية.

لا انكر حاجة الانظمة و الهيئات على تنوعها لوسائل دعائية تلبي حاجات جمهورها و تكشف من خلالها عن عملها، و لا انكر ان المهمة الاعلامية في وضع معقد متداخل مثل وضع مجتمعات البلاد صعبة، فهي تربت على مركزية و احادية و تناسلت عقيدتها جيلا بعد جيل، اقول صعبة ان تحل بخطاب حقيقي محايد و مطلع و مستهدف تنمية جمهور مدرب على افكار ايجابية مسايرة لتوجه بعيد عن روح العداء المسبق و الانقياد للعنف.

ان اغلب الجمهور جرى تدريبه سابقا و للاسف على كل الامور و الممارسات الجرمية التي يزدحم المجتمع و القضاء بهما اليوم، و لذا فلن يكون للعراق ان يدعي مفارقة العهود السابقة ما لم يدرك كل مركز قرار اهمية الامتناع عن التدريب الاعلامي السيء للجمهور.

*مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني

قد يعجبك ايضا