نص الحوار الذي أجرته (البوابة نيوز) مع الدكتور على مهدي نائب رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والأقتصادية
الدكتور على مهدي في حواره لـ”البوابة نيوز”: العراق من أكثر دول العالم تأثرًا بالتدخلات الإقليمية والدولية.. وإيران تتمتع بعلاقات واسعة مع أغلب القوى السياسية والمراكز الاقتصادية في بلاد الرافدين
محمد خيري
أكد الدكتور علي مهدي، الخبير السياسي العراقي و نائب رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية، إن العراق يعتير من أكثر دول العالم تأثرًا بالتدخلات الإقليمية والدولية، حيث تسببت القوى السياسية التي تصدرت المشهد السياسي في أزمة سياسية داخلية وخارجية أسفرت عن أزمات اقتصادية واجتماعية داخلية، منها سيطرة إيران مثلًا على كثير من الأوضاع في الداخل ومنها الكتل السياسية كالإطار التنسيقي والميليشيات المسلحة.
وأضاف مهدي، في حواره مع “البوابة نيوز” أن رئيس الحكومة العراقية الحالي الدكتور محمد شياع السوداني يحاول أن يسير على خطى رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في توطيد علاقة العراق بالعديد من الدول العربية والإقليمية، وحل الكثير من الأزمات وأخصها الأزمة الاقتصادية، لافتًا إلى أن المشكلة التي تواجه الحكومة الان هي عدم القدرة على الحد من تهريب العملة الأجنبية “الدولار” إلى دول الجوار، خاصة تلك الدول التي تعاني من فرض العقوبات الأمريكية وأبرزها إيران وسوريا.
وإلى نص الحوار..
بداية.. إلى أين يتجه الوضع السياسي في العراق خلال تلك الفترة؟
بعد تشكيل تحالف إدارة الدولة الذي يضم معظم الكتل البرلمانية في مجلس النواب العراقي على إثر انسحاب الكتلة التي يرعاها السيد مقتدى الصدر، حازت الوزارة التي شكلها السيد محمد شياع السوداني مرشح الإطار التنسيقي ثقة البرلمان على أساس برنامج وزاري اعتمد على ورقة تحالف إدارة الدولة، ومنذ ذلك اليوم تسير الأمور بشكل طبيعي بين قوى متناقضة ومتصارعة حول تنفيذ البرنامج وإسناد الوظائف.
أما مجلس النواب للتو انتهى من توزيع اللجان وتحديد المسؤولين عنها التي تقاسمته الكتل الكبيرة فيما بينها وألقت بالفتات للكتل الصغيرة والمستقلين الذين لم يحوزا على أي منصب مهم.
ومما عقد الوضع نسبيا قرارات المحكمة الاتحادية بخصوص قانون النفط والغاز في إقليم كوردستان وكذلك بإرسال أموال من الحكومة الاتحادية إلى إقليم كوردستان على إثر قيام دعوى من البعض المحسوبين على الإطار التنسيقي، وما زالت الإشكاليات قائمة بخصوص التعيينات التي يقوم بها السوداني على حساب بعض القوى الإطارية في المناصب الأمنية و الهيئات المستقلة وهي بمثابة وزارات خارج إطار مجلس الوزراء ، وكذلك حول إرسال مسودة الموازنة إلى مجلس النواب وسببها حصة الإقليم وكذلك الحساب التخميني للموازنة.
وتوجد تلميحات بين حين وآخر بخصوص الانتخابات المبكرة التي أصبحت استحقاقا ضروريا بعد الفراغ الذي تركه انسحاب الكتلة الصدرية من مجلس النواب لإعادة التوازن المطلوب داخل قبة البرلمان خوفا من أي تداعيات غير محسوبة إذا ما تم تجاهل هذا الانسحاب. وقد شرع رئيس مجلس الوزراء بالاستمرار على خطى السيد الكاظمي رئيس مجلس الوزراء السابق في الجولات الخارجية الأسبوعية مفتتحاً جولته الأولى للأردن وبقية دول الجوار وكذلك حضوره مؤتمر بغداد 2 الذي عقد في الأردن وحضور الرئيس المصري السيسي والرئيس الفرنسي وأيضًا حضور مؤتمر القمة العربية الصينية والزيارة إلى ألمانيا وفرنسا وآخرها الزيارة الناجحة إلى الإمارات.
هل يمكن أن ينجح رئيس الوزراء العراقي في حصر السلاح بيد الدولة وتقويض حركة الميليشيات؟
يرتكز السيد السوداني في الوقت الحاضر في تشكيلته الوزارية على دعم الإطار التنسيقي له، الذي يضم معظم الفصائل المسلحة التي هي الآن في هيئة الحشد الشعبي والتي هي جزء من المنظومة الأمنية والدفاعية للدولة العراقية وهي بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، ولذلك هناك حالة من الوئام والانسجام بين هذه الفصائل والسيد السوداني بعكس الفترة السابقة أيام عهد حكومة السيد الكاظمي، ولهذا اعتقد أنها فرصة مناسبة للسيد السوداني لإعادة بناء هذه الفصائل وهيكلتها بما يعزز من مستوى ارتباطها بالقائد العام للقوات المسلحة قولا وفعلا وعدم تدخل قادتها في الحياة السياسية وعملية التداول السلمي للسلطة وأن تنأى بنفسها عن الصراعات السياسية بين الأحزاب وأن تتخذ الإجراءات المناسبة لإبعاد مقراتها عن المدن حالها حال التشكيلات العسكرية التي بدأت الخروج من المدن وتسليمها إلى قوات الشرطة بعد استتباب الوضع الأمني في العديد من المحافظات العراقية.
ما هو حدود الدور الإيراني في العراق وطبيعة دعمها للإطار التنسيقي في العراق الذي ترشح منه السوداني رئيسًا للوزراء؟
لا يوجد أي شك بالعلاقة المترابطة بين قوى الإطار التنسيقي والحكومة الإيرانية والتي قسم منها تم نسجها إبان فترة معارضتها لحكم نظام صدام حسين وكذلك لوجود الارتباط الديني والفكري وحتى التعبوي الذي تشكل في فترة الحرب ضد داعش.
ولإيران علاقات واسعة مع أغلب القوى السياسية والقطاعات الاقتصادية والتشكيلات الاجتماعية، فقد وصلت العلاقات الاقتصادية إلى مستويات عالية، حيث وصل التبادل التجاري لأكثر من 10 مليارات دولار سنويا، وبهذا لإيران القدرة والتكيف مع أي حكومة تتشكل إن لم تكن المساهم الكبير في تشكيلها منذ انهيار النظام السابق وانسحاب القوى الأمريكية.
وبتقديري أن أطراف الإطار أثبتت قدرتها على التكيف مع متطلبات الوضع عندما أصبحت في الحكم، حيث إن الكثير من الشعارات التي كانت ترفع إيام حكومة الكاظمي قد تم التخلي عنها بعد أن أصبحت عبئا عليها، وأن المواقف المعلنة من التواجد الأمريكي والتعامل مع مشكلة ارتفاع سعر الصرف والعلاقات المنفتحة مع الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي، هذه كلها مؤشرات تدل على رغبة قوى الإطار مغادرة مواقفها السابقة، وهذا يتطلب أن تتعامل معه الدول العربية بشكل إيجابي وأن تحتضن هذه المتغيرات بتعزيز العلاقة وتوطيدها، واعتقد ما جرى في دورة الخليج العربي لكرة القدم إحدى المقدمات لذلك، فإيران يهمها نجاح الإطار التنسيقي في الحكم لأن أي فشل سوف ينعكس عليها، حيث الكثير من القوى السياسية المعارضة وبالأخص الصدريون يعتبرون أن وجود الإطار على سدة الحكم بفعل الاستقواء بإيران، ومع كل ذلك ستبقى علاقات قوى الإطار التنسيقي مع إيران بفعل طبيعة العلاقات العقائدية وبنفس الوقت يدرك الإطار أنه لا يمكنه النجاح في تحقيق المكاسب حتى الانتخابات المبكرة دون مراعاة الولايات المتحدة، وعلاقات متطورة مع الدول العربية عمومًا والخليج خصوصًا.
أقر البنك المركزي العراقي تعديلًا لسعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار… هل العراق بات في أزمة اقتصادية يصعب الخروج منها؟
واجهت حكومة السوداني عند بداية عملها مشكلة لم تكن في الحسبان، وهي الضغوط الأمريكية للتعجيل بالانصياع لإجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي بخصوص مراقبة تهريب العملة الأمريكية لدول الجوار والتي قسم منها يخضع إلى عقوبات أمريكية كإيران وسوريا، وتكون هذه المراقبة من خلال منصة إلكترونية تشرف وتنظم عملية سريان الأموال لشراء المواد المستوردة من الخارج والتي قسم منها يذهب إلى الدول الخاضعة للعقوبات من خلال عدد من المصارف التي لها ارتباطات بهذا الشكل أو ذاك بتلك الدول، وقد بدأت الأزمة من خلال وضع عدد من المصارف في اللائحة السوداء مما أدى إلى قلة تدفقات الدولار في السوق العراقية وهذا أدى بدوره إلى ارتفاع متصاعد في معدل سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع والخدمات من قبل التجار والمرابين.
هذا الوضع شكل أزمة حقيقة لحكومة السوداني بعد خروج عدد من المظاهرات الاحتجاجية التي تطالب الحكومة بتوفير المواد الغذائية بأسعار مناسبة، وعلى ضوء ذلك اتخذ البنك المركزي العراقي بعد تغيير المحافظ وبموافقة مجلس الوزراء ومباركة تحالف إدارة الدولة جملة من الإجراءات ومنها خفض سعر صرف الدينار العراقي أمام الدينار العراقي.
تمتلك الدولة العراقية رصيدا كبيرا وهو الأعلى في حياة الدولة العراقية حيث بلغ لأكثر من 120 مليار دولار لدى البنك المركزي، لكن المشكلة التي تواجه الحكومة تكمن في عدم القدرة على الحد من تهريب العملة الأمريكية إلى دول الجوار، وهي في الوقت الحاضر صعبة المنال لجملة من الأسباب، ومنها ضعف الدولة في مواجهة التجار وأصحاب المصارف الذين أغلبيتهم يعملون بضوء أخضر وبدراية من الكتل السياسية وكذلك للاختراقات الكبيرة لهذه الكتل لأجهزة الدولة وعدم القدرة في مواجهتها وهذا ما تم تبيانه من رسالة استقالة علاوي وزير المالية السابق.
برأيك هل يمكن محاصرة الدور الإيراني في العراق بالتحديد؟.. وهل يمكن للحكومة العراقية الجديدة أن تعمل بمعزل عن تدخلات دول الإقليم في سياساتها؟.
لا يمكن لأي دولة في العالم تعمل بمعزل عن تأثيرات الدول الأخرى وبالأخص الدولة التي فيها خلل في الاستقرار السياسي وكذلك التي تعتمد على قطاعات غير متوازنة في دخلها السنوي ونحن نعيش في ظل أجواء العولمة الرأسمالية وما أنتجته من ترابط وتداخل في اقتصاديات دول العالم.
ويمكن القول إن العراق من أكثر دول العالم تأثرا بالتدخلات الإقليمية والدولية ولا سيما له الحصة الكبرى من قرارات مجلس الأمن الدولي ومتابعاته الدائمة، بفعل الحروب التي خاضها والحصار الاقتصادي الذي أضعفه وأيضا لما يمتلكه من ثروات طبيعية تغري الدول الكبرى في التأثير عليه.
وقد لعبت هشاشة الطبقة السياسية التي تصدت للوضع السياسي في تزايد التدخلات الخارجية على وضع العراق، لكن مع الاستقرار الأمني الذي نشهده وتزايد قوة الدولة ومؤسساتها يقل هذا التأثير السلبي.
وقد شاهدنا في فترة الكاظمي الموقف الحيادي من المحاور، وتعاظم دور العراق من خلال وساطته بين إيران والمملكة العربية السعودية وبدأ زيارة العديد من قادة الدول إلى بغداد ومنهم الرئيس المصري، وان حكومة السوداني تحذو بما بنى عليه سلفه الكاظمي لتبديد الهواجس من أن العراق سيكون ضمن محور معين ضد المحاور الأخرى، والتأكيد لعدة مرات أن العراق سيكون جسرا لترميم العلاقات بين دول المنطقة، والحديث ليس بالجديد عن دور للدبلوماسية العراقية لعودة العلاقات الطبيعية بين إيران والأردن وكذلك مع مصر، حيث التحديات التي تواجه المنطقة كالإرهاب والطاقة وارتفاع أسعار الحبوب جراء الحرب الروسية الأوكرانية تتطلب العمل المشترك والتعاون المتبادل القائم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
هل أنت متفائل بما يمكن أن تسفر عنه مخرجات زيارة الوفد العراقي إلى أمريكا لمناقشة أوضاع العراق الاقتصادية؟
أعتقد أن لقاء محافظ البنك المركزي العراقي السيد علي العلاق في إسطنبول مع كبير مسؤولي العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية والتأكيد على التزام العراق بالإصلاحات للقطاع المصرفي وبمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحديث المباشر بين السيد السوداني مع الرئيس الأمريكي جو بايدن ساهم في تخفيض سعر الصرف في السوق الموازي، وان تعهد العراق بالعمل وفق المنصة الإلكترونية لاستيراد السلع من الخارج هو مفيد للعراق قبل أن يكون للدول الأخرى لأنه سوف يحد من هروب المبالغ المتحصلة من عمليات الفساد والاحتيال على حساب المال العام، لكن الإشكالية هي في ضعف إجراءات الحكومة لمواجهة المرابين والتجار الجشعين وكان الطلب العراقي هو إعطاء فرصة مناسبة للعراق من أجل تفعيل العمل بالمنصة الإلكترونية، ويبدو أن الزيارة ستاتي بثمارها لالتزام العراق بما ورد في اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين والطلب من الولايات المتحدة بتفعيل هذه الاتفاقية وعدم اختصارها للجوانب الأمنية على أهميتها وان الحاجة ماسة لدخول الشركات الأمريكية للاستثمار في مجال الطاقة وبالأخص الغاز حيث توجد إمكانات كبيرة أن يكون العراق مصدرا رئيسيا للغاز بالإضافة للنفط.