المهندس حسنين الساعدي
ان نظام المركزية الشديدة التي تنتهجها الحكومات العراقية المتتالية ما قبل ٢٠٠٣ وما بعدها تعد إحدى الاسباب الرئيسية في اخفاق وفشل عمل اي حكومة تستلم زمام الحكم بالعراق وأصبحت من الأنظمة الادارية القديمة المتهالكة التي غادرتها اغلب الدول المتطورة والمتقدمة
فتجد اغلب الاحيان بالعراق ان رئيس الوزراء ممسك بأغلب الملفات الحكومية الحيوية الداخلية والخارجية فقد شاهدنا في إحدى الحكومات العراقية قبل ١٢ سنة ان رئيس الوزراء هو وزير الدفاع وكالة ووزير الداخلية وكالة ووزير الأمن الوطني وكالة والقائد العام للقوات المسلحة وهذا تسبب في ضعف وتراجع أمني وسياسي واجتماعي بالعراق لسنوات كثيرة قبل وبعد ٢٠١٠ كذلك نجد الحكومة المركزية الاتحادية ممسكة بملف الطاقة وملف الإسكان والطرق وملف الاستثمارات وملفات وزارة التجارة كالبطاقة التموينية وغيرها من الملفات المهمة التي تراجعت وتخلفت بفضل تطبيق المركزية الشديدة وربما الديكتاتورية في اغلب الاوقات بل الأصعب من هذا ان اسلوب المركزية الشديدة انتقل الى مفاصل دوائر الدولة ووزاراتها فتجد كل مدير عام يحتكر اغلب الصلاحيات المهمة ولا يترك صلاحيات لمعاونيه ولا لمدراء الهيئات مما يجعله غير قادر على الإدارة الصحيحة وتصل اغلب المديريات والشركات في اغلب الوزرات للفشل لكون هذا المدير العام لا يستطيع توفير الوقت اللازم لمعالجة كل الحالات كذلك كثرة الواجبات المسؤول عنها تشتت عقله وتلغي صحة تفكيره بالامور.
بالنسبة لللامركزية فممكن ان نقارن الملفات التي أعطيت صلاحيتها للمحافظين في محافظاتهم تم إنجازها افضل من المشاريع الاتحادية في نفس المحافظات والتي تخضع لسلطة رئيس الوزراء الوزراء.
وعلى سبيل المثال تجربة اقليم كوردستان بعد ١٩٩٦ كانت تجربة ناجحة جعلت من مدن كوردستان كمدن اوربا في التطور والتقدم العمراني والجمالية والنظام المطبق فيه احترام للقانون وإدارة المدن وفقا للقانون الصحيح كذلك تجربة بعض المحافظات العراقية ميسان والانبار والبصرة ونينوى وكربلاء المقدسة والنجف الاشرف في آخر خمس او عشر سنوات كانت ناجحة وقدمت خدمات وتطورت البنى التحتية لهذه المدن بفضل شجاعة ومهنية شخصيات محافظيهم في تطبيق قوانين الاستثمار ومشاريع الخدمات حيث ممكن ان نشاهد في اقليم كوردستان وهذه المحافظات اعلاه ان اغلبية المشاريع التي من صلاحية مسؤولي الاقليم او المحافظين منجزة بالكامل او شبه كامل رغم قلة الموارد المالية بينما المشاريع التابعة للحكومة الاتحادية متلكئة ومتراجعة كمشاريع بشكل فضيع كمشاريع الإسكان والبلديات والكهرباء والطرق والجسور والتجارة والصناعة واصبحت مشاريعها عبارة مجرد اساسات واطلال بلا انهاء واكمال فتشوه منظر مراكز المحافظات وقراها ولهذا لا حاجة ان تكون هناك وزارة الإسكان والاعمار والبلديات اتحادية ولاوزارة العمل والشؤون الاجتماعية اتحادية ولا دور حقيقي لاغلب الوزارات الاتحادية فالمحافظ وإدارة المحافظة يمتلكون إحصائيات دقيقة وكاملة عن فقراء ومتعففي محافظاتهم ويعرفون الحالة الاجتماعية لكل عوائل مدنهم ومن الممكن ان يتم تسليم أموال هذه الفئات ورواتبهم ومنحهم بالموازنة السنوية إلى المحافظة والمحافظ وهم من يهتمون بطرق توزيعها لمستحقيها وكذلك مشاريع الطاقة الكهربائية ودور وزارة الكهرباء الاتحادية السلبي جدا فلو كانت مشاريع الطاقة الكهربائية تعود لصلاحية كل اقليم ومحافظ وادارة محافظته لأنتهت مشكلة نقص الطاقة الكهربائية بمدن العراق منذ حوالي ١٠ سنوات تقريبا فعندما نعمل جدولة لتوليد الطاقة في اقليم كوردستان ومحافظات البصرة وذي قار وميسان وبابل وواسط وصلاح الدين والنجف الاشرف والانبار فهذه محافظات مكتفية بمجال توليد الطاقة الكهربائية داخل حدودها ولو تركت الصلاحيات للمحافظين في انتاج الطاقة الكهربائية حصرا لها فمحافظة ميسان مثلا تحتاج فقط لصيانة لمحطة البزركان ومحطة توليد الكحلاء ستكتفي نهائيا بالطاقة الكهربائية مثلها باقي المحافظات على ما تمتلك من محطات توليد الطاقة داخلها وبأستطاعتنا ان تكمل خلال سنتين اكتفاء كل محافظات العراق وعلى أكثر الاحوال ان عملنا على تحقيق مشاريع الطاقة النظيفة من قبل الحكومات المحلية والمحافظين.
فأن احد اهم اسباب تأخر وتراجع الخدمات في بلادنا هي المركزية الشديدة والبيروقراطية في أداء الحكومة الاتحادية والتي تساهم بتبديد المال العام لهذا وإن كل ما جرى على العراق من تخلف خدمي واقتصادي بسبب فساد اغلبية المسؤولين التنفيذيين والتشريعيين وتمسك الحكومة المركزية الفدرالية بجميع ملفات الخدمات بدلا عن رؤوساء الأقاليم ومحافظي المحافظات والحكومات المحلية.
لذلك اجد ان الحل الأمثل ان نعود لللامركزية في كل الملفات الخدمية مع دعم المحافظين الناجحين الكفوئين الحاليين ( كمحافظ البصرة وكربلاء والنجف الاشرف والانبار وميسان ونينوى ومحافظي مدن اقليم كوردستان ) والتدقيق بشكل واضح وصحيح على اختيار محافظين اكفاء نزيهين تكنوقراط مهنيين لهم خبرة إدارية وفنية ومسلكيين ولديهم مستشارين اكفاء بجميع التخصصات المطلوبة بدلا عن المحافظين الفاشلين.