معد فياض
على مدى التاريخ نهضت أمم وسيطرت أو كادت ان تسيطر على العالم، ثم خفتت اشراقتها لتنهض امم اخرى، وضمن هذه الجدلية، نرصد نهوض: سومر وبابل وأكد وآشور والفراعنة والاغريق والرومان والصين والفرس والعرب والتتار والترك.
وسندرك حقيقة واضحة مفادها ان هذه الامم لم تنهض بفضل علومها او لغاتها او حضارتها او اديانها، بل بفعل جبروتها وقوة اسلحتها وانها سيطرت على اراضي شعوب اخرى بحملات عسكرية بقصد او تحت تسميات الغزو او التحريراو الفتوحات الدينية، الا انها بالنتيجة هي غزوات عسكرية هدفت الى السيطرة على اراضي وبلدان شعوب بالسيف والحديد والنار وخلفت الملايين من الضحايا، وسالت انهار من الدماء وسبت النساء وسرقت الثروات ودمرت حضارات وثقافات مختلفة.
من بين هذه الامم الحية نستثني أمة الكورد التي حاربتها وقاتلتها وعبر عصور طويلة، أمم اخرى ارادت النيل منها واخضاعها لارادات جبارة لدواعي شوفينية ودينية واستعمارية، ومحو وجودها وتاريخها وتراثها خشية من نهوضها وقوتها وحكمتها، وعندما نقرأ التاريخ سنكتشف ان ما من قوة في المنطقة، ومن خارج هذه المنطقة الا وحاربت الكورد وارادت السيطرة عليهم، بما فيهم الاشوريون والفرس والاسكندر ذو القرنين والاتراك والعرب، وشُنت ضدهم(الكورد) حملات عسكرية جبارة كانت كافية لمحو وجود اية أمة أخرى، خاصة خلال القرن الماضي، لكن الكورد كانوا كطائر العنقاء ينهضون من رماد الحروب ويحلقون بقوة اكبر لبرهنة وجودهم كأمة لها اسهاماتها الانسانية المؤثرة.
وعلى عكس كل الامم التي اثبتت وجودها وسطوتها على بقية الشعوب والبلدان، بالسلاح والقتل، فإن أمة الكورد لم تستخدم السلاح الا مضطرة دفاعا عن النفس، دفاعا عن وجودها وحياة ابنائها وثقافتها ولغتها، وتمسكت بارضها بقوة بفضل حكمة وشجاعة وفروسية قادتها ومقاتليها.
الكورد في جنوب كوردستان الكبرى، وبالتحديد في كوردستان العراق، وحتى خلال انطلاق ثورتهم الشعبية التحررية بقيادة الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني، لم يعتدوا على أحد، لم يحاولوا مهاجمة غيرهم، لم يقتلوا من اجل السيطرة على اراض شعوب اخرى لاغراض سرقتهم او حبا للدم او سبي نسائهم، على العكس ما حدث لهم حيث كانت الحملات العسكرية تقطع الاف الاميال من الغرب والشرق والجنوب والشمال ومن صحراء الجزيرة العربية للاعتداء عليهم وقتلهم وسرقتهم لاخضاعهم بدوافع عدوانية شوفينية دينية لتغيير لغاتهم ولهجاتهم واديانهم واعيادهم وعاداتهم وتقاليدهم .
الكورد هم من كانوا السبب في تأسيس الدولة العراقية وقيامها، وفي اعتقادي ان لسان حال غالبيتهم اليوم يقول يا ليت اجدادنا لم يصوتوا لصالح هذه الدولة التي اذاقتهم القتل والدمار على مدى قرن من التاريخ.
هذه الدولة التي حنثت بوعودها لمنح الكورد حقوقهم القومية في اراضيهم، كوردستان، وبدلا من ذلك حاربتهم وشنت اشرس الحملات العسكرية ضدهم، خاصة في عهد حكم حزب البعث الشوفيني، واقترفت جرائم ابادة جماعية مستخدمة الاسلحة الكيمياوية وحرق قراهم ومدنهم لقتل الاطفال والنساء والرجال، شوخ وشباب.
ورغم كل هذا وذاك حلق طائر الفينيق الكوردي متمثلا بالثورة الكوردية التي قادها البارزانيون الحكماء والشجعان وبمشاركة ودعم الشعب الكوردي العنيد لينهضوا من جديد.
النهضة الجديدة لأمة الكورد بزعامة البارزانيين ودعم شعبهم، اعتمدت الحكمة والصبر والانفتاح على بقية الدول والشعوب والسلام والمحبة والتمسك بالمبادئ النبيلة والسامية، فلم يفرقوا بين هذا وذاك، وفتحوا ابوابهم لكل القوميات والاديان والطوائف العراقية ليكون اقليم كوردستان واحة للتعايش السلمي، مدركين ان اسس هذه النهضة الجديدة هي افضل واقوى من كل الاسلحة لمواجهة الآخرين، وسيشهد الحاضر والتاريخ أشراقة جديدة للكورد ونهضة اساسها السلام والتقدم والانجاز الحضاري ، تلك هي أمة الكورد التي طال انتظارها.