صناعة الشعر        

 

 

 د . صباح ايليا القس

 

يقول الجاحظ ( ان الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير ) تتردد هذه العبارة في اغلب الدراسات والبحوث التي تتناول الظاهرة الشعرية واساسياتها وليس بخافٍ ان هناك اقوالا اخرى تضاهي هذه المقولة بأساليب اخرى .

احاول في هذه المقالة الوقوف على مسألة الصناعة الشعرية وهل يستطيع اي فرد ان يتعلم هذه المهنة الصناعية مثلما يتعلم النجارة والحدادة والسباكة وغير ذلك من المهن التي يعرفها الناس ويتعاملون مع الآخرين على اساسها لتلبية احتياجاتهم منها . والسؤال المهم ما هي الادوات التي يحتاج اليها طالب المهنة لكي يتعلمها ومن هو الشخص الذي يقوم بالتعليم ؟

نعم لكل مهنة ادواتها وربما تكون الاداة الاولى لمهنة الشعر هي حفظ الالاف من قصائد وابيات الشعر العربي القديم وليس هذا فقط بل معرفة معانيها ومقاصدها والغرض الذي قيلت فيه والمناسبة وزمانها ومناسبتها بمعنى انه يجب على طالب علم الشعر ان يعرف تاريخ الشعر ومن هو القائل والى اي عصر تنتمي لكي تكتمل صورة القصيدة في الذهن ويعيش الطالب اجواء الزمان والمكان الذي قيلت فيه .

وليس الحفظ الا النافذة الاولى الى الشعر اذ يكون ذلك منطلقا الى اللغة ومعرفة اسرارها ومعانيها ونحوها وصرفها وبلاغتها وسر تركيبها ولماذا استعمل الشاعر هذه الكلمة ولم يستعمل تلك المقاربة لها وما مدى الموسيقية والشحنة الشعرية التي تحتملها هذه الجملة والتي تفتقدها تلك الجملة ولماذا طارت شهرة هذا البيت او هذه القصيدة بينما غابت في بطون الكتب الالاف من الابيات بل وغاب ايضا عدد من الشعراء الذين لا نعرف سوى اسمائهم بينما غابت قصائدهم ودواوينهم ولم يعد يذكرها احد إلا من كان من المهتمين بالبحث والدراسة .

لاحقا وعن طريق الحفظ والتقليد سيتعلم الطالب الاوزان الشعرية تلك الاوزان التي فكك شفراتها ورموزها الخليل بن احمد الفراهيدي حتى قيل الاوزان الخليلية نسبة الى الخليل بن احمد الذي جعل الاوزان الشعرية العربية في قوانين وقوالب وحصرها بستة عشر وزنا وضعها في دوائر ابتكرها وسميت ايضا بالدوائر الخليلية لكي يستطيع المتعلم الذي يفتقد الاذن الموسيقية ان يعتمد على التقطيع وتقسيم البيت الى تفعيلات تناسب كل بيت بل قسم هذه التفعيلة الى نقرات تعتمد الحركات والسكنات التي عن طريقها يعرف المتعلم التفعيلات وعن طريق التفعيلات سيعرف البحر الذي قيلت فيه اذ ان كل وزن شعري يسمى بحرا وقيل ايضا البحور الخليلية وهناك متخصصون بهذا العلم الذي نسميه الآن ( علم العَروض ) بفتح العين .

إن حفظ الشعر يساعد كثيرا في استيعاب الاوزان والنسيج لاحقا على منوالها اذ لم يكن الشعراء الذين سبقوا الخليل يعرفون هذه البحور ولا اسماءها وهذا يعني ان لكل بحر اسمه الخاص وتفعيلاته الخاصة ايضا , لكن هل هذا يكفي لصناعة شاعر ؟

واذا تجاوزنا الاوزان فهناك مشكلة القوافي اي الحروف التي تعتمدها القصيدة في آخر البيت والتي تسمى القصيدة باسمها فهذه القصيدة عينية اذا كانت تنتهي بحرف العين وهذه القصيدة ميمية اذا كانت تنتهي بحرف الميم وهكذا بالنسبة الى الحروف الاخرى .

وللقوافي ايضا ان تلتزم حركة اعرابية واحدة ولا يجوز ان تتغير الحركات الاعرابية بحسب المزاج فاما ان تكون منصوبة بالمطلق او مرفوعة او مجرورة او ساكنة ولا يحق للشاعر ان يزاوج بين الحركات اذ يعد ذلك خروجا وخرقا لقواعد القافية بل ويعد من الركاكة والامور المعيبة ويعاتب عليها .. ترى اذا التزم بهذه القوافي هل يكون شاعرا ؟

اقول لو اجتمعت كل الفنون الشعرية في شخص ولم يكن له حظ من الموهبة الخلاقة المبدعة لما استطاع ان يكون شاعرا موهوبا بل يمكن ان يكون نظّاما وهو الذي يستطيع ان يرتب الكلام بحسب الاوزان والقوافي ولكنه يخلو من مهارة الابداع الذي تبدعه الموهبة .

قد يعجبك ايضا