معد فياض
قد يتصور البعض ان صناعة فيلم روائي اكثر تعقيدا من عملية صناعة فيلم وثائقي، لكن المختصون والمتابعون لصناعة السينما وانتاج الافلام يدركون جيدا ان العكس هو الصحيح، ذلك ان عملية انتاج فيلم روائي ترتبط بسيناريو مكتوب بحبكة سينمائية جيدة، واحداثه متخيلة او معتمدة على قصة او رواية، تتيح لمخرج متمكن فنيا، ويتصرف بفريق تمثيل مبدع، انتاج فيلم جيد او متميز، لكن العملية تبدو اكثر تعقيدا وصعوبة مع انتاج فيلم وثائقي خاصة اذا كان هذا الفيلم يسرد حياة وسيرة مناضل راحل مثل المقاتل والقائد للثورة الكوردية، إدريس بارزاني.
في الافلام الوثائقية التي تتناول سيرة شخصية معروفة، زعيم سياسي، او مقاتل معروف ضحى بحياته من اجل قضية شعبه، او شخصية ثقافية او اجتماعية مشهورة، يكون الكاتب او المخرج او المنتج محاصرا بمساحة محدودة هي سيرة حياة هذه الشخصية، وسيكون الامر اكثر تعقيدا اذا لم يتدخل خيال الكاتب في ممارسة حريته والخروج عن نص هذه السيرة، ومحدودية الارشيف المصور سينمائيا اوفيديويا لسيرة حياته، وهنا يبرز ابداع فريق الانتاج، واعني الكاتب والمعد والمخرج، في وضع مخطط ورسم خارطة العمل والشخصيات التي عاصرت هذه الشخصية والبحث عنها والاستفادة من معلوماتها، ومن ثم ياتي الجانب الاكثر صعوبة، وهو التنفيذ.
العملية ايضا تشبه الى حد بعيد اصدار كتاب، رواية متخيلة، او سيرة حياة او مذكرات شخصية معروفة، ففي الرواية يتصرف المؤلف حسب ما خطط لها ورسم شخوصها وحركتهم وتشابكاتهم وخطوط صراعاتهم، ومن ثم مصائرهم، لكن في انتاج كتاب يتناول سيرة قائد ثورة شعبية، بالتأكيد سيكون الكاتب محاصرا بتاريخ وانجازات واسلوب حياة هذه الشخصية، وسينفذ الى النجاح باسلوبه الابداعي.
في الفيلم الوثائقي”إدريس بارزاني..مهندس السلام”، انتاج شبكة رووداو الاعلامية، أعداد واخراج آسو حاجي، والذي يعرض حاليا على منصات شبكة رووداو، تبرز للمتتبع لصناعة السينما، تلك الاسئلة المطروحة آنفا حول صعوبة انتاج مثل هذا الشريط المصور، وهنا تبرز الامكانية الابداعية للمخرج واعني في امكانياته على جمع ولملمة 43 عام من الاحداث الصاخبة والمهمة، ليس في حياة المناضل الراحل إدريس بارزاني وحسب بل من حياة الشعب الكوردي الذي كان يتعرض لكل اساليب القتل والملاحقة من قبل اعتى القوى الدكتاتورية المتسلطة. 43 عام ، هو العمر القصير والعميق والمهم للمناضل الراحل إدريس بارزاني وهو جزء مهم من تاريخ الثورة الكوردية، على ان تكون تلك الاحداث اوتفاصيل السيرة الفلمية مؤثثة باحاديث وسرد رفاق بارزاني الذين واكبوه في غالبية او جميع فصول حياته، وحصرها وتنقيتها لانتاج هذا الفيلم الذي سنبقى نتذكره ويبقى في ذاكرتنا الصورية ورصيدنا المعرفي.
ان واحدة من اهم وابرز مميزات العمل الفني وسبب نجاحه هو التقشف، فكما ينجح الكاتب المتقشف في لغته وخلو اعماله من الجمل الانشائية والتكرار الممل يكون عمله ناجحا، كذلك فان صانع الفيلم، سواء كان روائيا او وثائقيا، سيبرهن ابداعه وتمكنه من صنعته بتقشفه في شريطه المصور، وكان المخرج آسو حاجي ذكيا ومبدعا بتقشفه واختصار “اكثر من 40 ساعة من التصوير والاحاديث”، حسب المخرج، ليقدم للمتلقي شريطا يمتد على ساعة واحدة، وهذا جهد يتطلب خبرة ابداعية وتمكنه من الصنعة وبذل جهود مدروسة ومحسوبة بدقة في اختصار ما يمكن اختصاره دون ان يضحي باية معلومة او حديث مهم ويدعم فيلمه.
لقد قدم فيلم”إدريس بارزاني..مهندس السلام”سيلا من المعلومات والاحاديث والصور والوثائق التي هي غاية في الاهمية عن حياة المناضل الراحل إدريس بارزاني، وعن الثورة الكوردية تعد كمصدر موثوق لكل من يريد دراسة تاريخ هذه الثورة واسباب قيامها ومن ثم توقفها وفيما بعد استمرارها بفضل جهود الشقيقين إدريس والزعيم مسعود بارزاني اللذين، وحسب وصف اغلب المتحدثين في الفيلم الذين عاصروا الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني ونجليه “يشكلان روح واحدة في جسدين”، كما منحنا الفيلم الذي استمر العمل فيه “اكثر من عامين، ولكن ليس بصورة متواصلة”، حسب ايضاح المخرج، فكرة شبه متكاملة عن شخصية إدريس بارزاني الطيبة والمتسامحة وحبه للسلام ولرفاقه من المقاتلين في البيشمركة.
ان هذا الكم والنوع الراقي من المعلومات يصلح ان يتحول الى كتاب ومصدر وثائقي مهم يغني المكتبة بمعلومات عن شخصية مناضل ومقاتل وزعييم، إدريس بارزاني، يحمل البندقية بيد للدفاع عن شعبه وحقوقه، وغصن الزيتون باليد الاخرى لاقرار السلام ونيل حقوق الكورد بعيدا عن اصوات الرصاص ولون الدم، ومثل هكذا ثوار نادرون في التاريخ المعاصر.
يقول المخرج آسو حاجي في كلمته خلال تقديمه في العرض الخاص لفيلم”إدريس بارزاني..مهندس السلام”: في هذا الفيلم الوثائقي، شارك عددٌ من الشخصيات والأسماء التي كانت من أصدقاء ورفاق درب ونضال سيادة الأخ إدريس بارزاني، كما تشارك فيه شخصيات أكاديمية، عدا عن اللقاء والحديث مع العديد من الشخصيات والأسماء الأخرى المحترمة والمهمّة التي، للأسف، لم نستطع بسبب الوقت المحدود للفيلم تضمين مساهماتهم في عملنا، ولذلك أتقدّم إليهم بالاعتذاروأشكرهم من صميم قلبي. وأودّ أن أُعلن لهم بأنّ لقاءاتهم ومقابلاتهم تحظى بأهمية وقيمة تاريخية كبيرة، لأنّهم سجّلوا تاريخاً حيّاً، وأنا على يقين أنّ رووداو سوف تحتفظ بها، وتستفيد منها في أعمال ونتاجات أخرى”.
لقد اجتهد وحرص فريق انتاج فيلم “إدريس بارزاني..مهندس السلام” من اجل تقديم شريط فيلمي يعرض الصورة الحقيقية للمناضل إدريس بارزاني، مستعرضا حياته منذ ولادته حتى رحيله، وبين هذين التاريخين هناك كم هائل من الاحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية التي ساهمت بقوة في انتصار الثورة الكوردية، دون ان يهمل الفيلم الاهتمامات الثقافية والفكرية لهذه الشخصية التي خسرها الكورد والعراق والاقليم المجاور للعراق، مبكرا، ولعل واحدة من مصاعب انتاج مثل هكذا افلام هي شحة المادة الارشيفية المصورة للمناضل إدريس بارزاني، لكن استعانة المعد والمخرج بشخصيات موثوقة رافقت الراحل في مسيرته الحياتية والنضالية وكانت قريبة منه عوضت كثيرا ورسمت للمشاهد صور قريبة جدا لشخصيته المتميزة.
يقول مخرج الفيلم، آسو حاجي:”في إنتاج هذا العمل، عملت شبكة رووداو الإعلامية بأكملها، وعلى رأسها الأخ آكو محمد، كفريق عملٍ واحدٍ، وكانوا جميعاً في خدمة العمل ليكون أفضل وأجمل، ولولا الملاحظات الدقيقة للأخ آكو لما كان هذا العمل على الشكل ، ولذلك أرى من الواجب تقديم الشكر لجميع العاملين في شبكة رووداو”.
آكو محمد، مدير عام شبكة رووداو الاعلامية، قدم الفيلم في العرض الخاص، قائلا:” ما نشاهده اليوم هو الفيلم الوثائقي (إدريس بارزاني.. مهندس السلام)، والذي يعرض بإيجاز جزءاً من نضال وفكر الأخ إدريس بارزاني. ما يُلفتُ انتباهي هو أنّ جميع رفاق درب الأخ إدريس وأصدقاءه حينما يتحدّثون عنه تظهر عليهم مباشرةً علامات الابتهاج. وهذا له دلالة عظيمة، تظهر كم كان عظيماً ومحبوباً لدى الجميع. مثلما يقول أحدهم أنّه حينما كان يتحدّث كان يتحدّث في غاية اللطف وكانت محبّته في قلوب الناس تتعاظم..أشكر، فرداً فرداً، جميع الزملاء الكفوئين في شبكة رووداو الإعلامية الذين شاركوا في إنجاز هذا الفيلم الوثائقي. وأخصّ بالشكر الأخ آسو حاجي الذي قِبَل بتلهّف هذا المشروع وقام بخبرته الكبيرة بعملٍ ممتاز في سبيل إنجازه”.