أزمة المركز والإقليم
(تجدد الأزمة يهدد إدارة الدولة)
نقلا عن مركز البيان للدراسات والتخطيط
علاء الحمداني
ملحوظة:
لا تعبر الآراء الواردة في المقال بالضرورة عن اتجاهات يتبناها المركز، وإنما تعبر عن رأي كتابها.
فجر قرار المحكمة الاتحادية الذي قضى في السادس والعشرين من كانون الثاني 2023 بعدم صحة (6) قرارات للحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي (2022- 2020) جدلاً سياسياً واسعاً بعد أن قضى هذا القرار بعدم صحة تحويل مبالغ مالية إلى إقليم كوردستان.
القرار الجديد الذي جاء في وقت وصلت فيه نقاشات إقرار الموازنة العامة للدولة ذروتها قوبل برفض واسع من قبل مسؤولي إقليم كوردستان وسياسييهم الذين هاجموا المحكمة الاتحادية، مطالبين بحقوق الإقليم التي نص عليها الدستور، في حين تصدى سياسيون وجهات سياسية للدفاع عن المحكمة الدستورية العليا في البلاد، عادة انها لن تنحاز إلى طرف دون آخر.
لا تقتصر انعكاسات قرار المحكمة الاتحادية على حرب التصريحات والبيانات التي اندلعت في الأيام الأخيرة، في ظل وجود توقعات باحتمال تصدع ائتلاف إدارة الدولة الذي يضم القوى الكوردية المناوئة للقرار، فضلا عن اطراف سياسية أخرى أعلنت دعمها المطلق للمحكمة الاتحادية وقراراتها.
أزمة قديمة تجدد
كان قرار المحكمة الاتحادية بشأن
الأموال التي حولتها الحكومة السابقة إلى اقليم كوردستان سبباً في تجدد أزمة قديمة كانت تمر بحالة من التراجع منذ تشكيل تحالف قوى إدارة الدولة الذي ضم أطرفاً شيعية وكوردية وسنية، والذي تشكلت على أساسه الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.
كانت أطراف هذا التحالف ماضية في حواراتها، لإكمال استحقاقات المرحلة المقبلة قبل أن يأتي قرار المحكمة الاتحادية الذي أثار حفيظة القوى الكوردية التي خرجت عن إطار السياقات السياسية والدبلوماسية عن طريق تصريحات وبيانات متشجنة هاجمت القرار والمحكمة التي أصدرته.
وقالت المحكمة الاتحادية في بيانها بهذا الخصوص أنها (قررت الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء، في 2021/ 6/ 15 وما بعدها) مشيرة إلى أن الحكم (باتاً وملزماً للسلطات كلها، استناداً إلى احكمام المادتين (93/ ثالثاً و 94) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمادتين (4/ ثالثاً، و5/ ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 وأفهم علناً).
جاء هذا القرار بناء على دعوى تقدم بها العام الماضي النائب عن اللجنة المالية النيابية مصطفى جبار سند أمام الحكومة الاتحادية ضد قرارات للحكومة السابقة قضت بتحويل مبالغ مالية إلى إقليم كوردستان.
وقال النائب مصطفى جبار سند في مؤتمر صحافي عقده بعد إصدار الحكم إن (القرار القضائي صدر بناءً على الدعوى التي أقمتها أمام المحكمة الاتحادية التي حكمت بعدم صحة (6) قرارات للحكومة السابقة بتحويل المبالغ للإقليم في عام 2022، وهي قرارات مخالفة للنظام الداخلي والدستور وقانوني الموازنة العامة والإدارة المالية).
ويعد ما حدث استكمالاً لحلقات الأزمة القديمة بين المركز والإقليم بشأن مستحقات كوردستان المالية وكذلك الأموال المترتبة بذمة الإقليم جراء تصدير النفط.
رد كوردي صادم
رد القوى والأطراف الكوردية على قرار المحكمة الاتحادية كان صادماً، وتجاوز حدود الكلمات والعبارات السياسية التي اعتيد على سماعها في أوقات الأزمات.
الرد الأول والأقوى جاء من رئيس إقليم كوردستان السابق مسعود البارزاني الذي عبر في بيان عن أسفه للموقف الذي وصفه بـ(العدائي) للمحكمة الاتحادية، موضحاً أن (المشكلة ليست في المبلغ المالي، بل في انتهاك الحقوق والمبادئ).
وأضاف البارزاني أن (الجميع يدرك أن مشاركتنا في ائتلاف إدارة الدولة وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، كانت تستند على برنامج واضح ومفصل متفق عليه من جانب الأطراف كلها)،
مبيناً أن المستحقات المالية لإقليم كوردستان حق مشروع وجزء من البرنامج المتفق عليه، مشيراً إلى أن (قرار المحكمة الاتحادية اليوم، وقبل ان يكون ضد إقليم كوردستان، فهو ضد العملية السياسية، وضد الحكومة العراقية، وضد برنامج ائتلاف إدارة الدولة).
ويفهم من ذلك ان مسعود البارزاني وجه اللوم للشركاء في تحالف ادارة الدولة الذي تشكل وفقاً لاعتقاده ليمنح جميع المشاركين حقوقهم السياسية والمالية بمن فيهم الكورد، ملمحاً إلى أن هذا القرار قد يعرقل مسيرة هذا التحالف.
وأخطر ما قاله مسعود البارزاني في بيانه هو العبارة الآتية: (يبدو أنها تنفذ أجندة مشبوهة، وباتت تحل محل (محكمة الثورة) في عهد النظام السابق)، اذ تحمل هذه العبارة اتهاماً خطيراً للمحكمة الاتحادية التي تمثل أحد ركني السلطة التشريعية الناتجة عن النظام السياسي الديمقراطي الذي تشكل بعد عام 2003.
ولم يختلف رد رئيس إقليم كوردستان الحالي نيجيرفان البارزاني كثيراً عن موقف سلفه مؤكداً في بيان أن (قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية بعدم صحة صرف المستحقات المالية ورواتب موظفي إقليم كوردستان من جانب الحكومة الاتحادية العراقية لعامي 2021 و 2022، قرار غير عادل ومجحف)، مشيراً إلى ان (قرار المحكمة الاتحادية في هذا التوقيت مثير للشكوك ويعرض العشرات من التساؤلات الكبيرة، وكما يثير موضوع الاستعجال في إصدار قانون جديد لإعادة تشكيل المحكمة كجزء مهم ورئيس من الاتفاق المبرم بين الاطراف السياسية لتشكيل الحكومة الاتحادية العراقية الجديدة).
وهنا يحمل نيجيرفان البارزاني القوى المنضوية ضمن ائتلاف ادارة الدولة ايضاً مسؤولية الايفاء بالوعود التي اطلقت للكورد مقابل تشكيل هذا التحالف.
ممثلو الكورد في السلطات الاتحادية كان لهم موقف رافض ايضاً لقرار المحكمة الاتحادية، اذ اتهم نائب رئيس مجلس النواب شاخوان عبد الله احد اطراف ائتلاف ادارة الدولة بالوقوف وراء قرار المحكمة الاتحادية بإيقاف صرف المستحقات المالية لإقليم كوردستان، موضحاً أن هذا الطرف هو نفسه الذي طلب من احد النواب رفع دعوى ضد مستحقات الإقليم.
وكان شاخوان عبد الله اكثر وضوحاً من الآخرين في اتهامه حين قال: (الغريب ان هذه الجهة هي جزء من تحالف ادارة الدولة)، معبراً عن امله بـ(القوى السياسية الوطنية وشركائنا في الوطن ان يبينوا موقفهم الواضح لمنع مثل هذه الانتهاكات ضد الشعب كوردستان).
الهجوم الذي شنه مسؤولون وسياسيون كورد على المحكمة الاتحادية قوبل بالرفض من قبل بعض اطراف ائتلاف ادارة الدولة التي اعلنت تأييدها لكل ما يصدر عن المحكمة، لأنها مستقلة بقراراتها وبعيدة كل البعد عن السجالات السياسية. ؟
.
وقال الأمين العام لعصائب أهل الحق المنضوية ضمن ائتلاف ادارة الدولة قيس الخزعلي: ان القضاء هو ركيزة الدولة العراقية، وندعو إلى ضرورة احترام قراراته والالتزام بها، ونرفض أي تجاوز على قراراته ومؤسساته، داعياً إلى الابتعاد عن التشنج والتسرع في اتخاذ القرارات، وإكمال الحوارات والنقاشات للوصول الى النتائج التي تضمن حقوق الجميع ضمن سقف الدستور.
كما أكد النائب عن تحالف الفتح مهدي تقي ان ما يصدر من قرارات من قبل المحكمة الاتحادية العليا محترمة كما هي ملزمة التنفيذ لكل الجهات والسلطات ولا يمكن مخالفة هذه القرارات، ولهذا القرار الصادر بشأن منع إرسال الأموال إلى الإقليم إلا بعد تسليم النفط، سيكون ملزماً لحكومة السوداني، ولا يمكن مخالفة ذلك اطلاقاً، مشيراً إلى ان قوى الإطار التنسيقي ليس لها اي علاقة بإقامة هذه الدعوى امام المحكمة الاتحادية بشأن ايقاف إرسال الأموال بصورة شهرية إلى الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية.
مستقبل ائتلاف ادارة الدولة
من المعروف ان ائتلاف ادارة الدولة تشكل نهاية أيلول 2022 قبل شهر واحد من تشكيل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني. وضم الائتلاف الاطار التنسيقي الذي دخل ممثلاً بالقوى الشيعية الرئيسة ما عدا التيار الصدري، والقوى السنية ممثلة بتحالف السيادة، والقوى الكوردية.
واساس تشكيله كان التوصل إلى تفاهمات تفضي إلى التصويت على الحكومة، وإزالة العقبات التي اعترضت العملية السياسية بعد انتخابات 2021.
وكان للقوى الكوردية مطالب رئيسة أهمها حل أزمة تصدير النفط عبر الإقليم والمستحقات المالية لأربيل والمادة (140) ، والمضي بتشريع قانون النفط والغاز وحقوق الاقليم في موازنة 2023، فضلاً عن قضايا أخرى ثانوية.
وكان الائتلاف يسير بخطى متقدمة نحو إقرار الموازنة التي كان متوقعاً ان تشرع برضا الجميع مكوناته في شباط 2023 قبل ان ياتي قرار المحكمة الاتحادية التي كانت له آثار وضعت مستقبل ائتلاف إدارة الدولة امام ثلاثة احتمالات:
الأول: تفكك ائتلاف ادارة الدولة عن طريق إعلان بعض أطرافه، وربما تكون الكوردية الانسحاب منه احتجاجاً على وقف تزويد الإقليم بالمستحقات المالية، وفي هذه الحالة سيجد الائتلاف نفسه في موقف لا يحسد عليه، لا سيما في ظل وجود أزمات أخرى تلاحق الحكومة التي يدعمها مثل ارتفاع سعر صرف الدولار الذي قد يجر إلى الاحتجاجات التي قد تعيد من جانبها التيار الصدري إلى المشهد السياسي.
الثاني: لملمة الأزمة بين المركز والاقليم التي تجددت بعد قرار المحكمة الاتحادية عن طريق دخول بعض الأطراف كوسطاء بين القوى التي بدأت تتراشق بالتصريحات، ولا يمكن لهذا الخيار ان يجد فرصة للتطبيق ما لم يخفف الكورد لهجتهم المتشنجة تجاه المحكمة الاتحادية.
الثالث: تصدع ائتلاف إدارة الدولة حتى في حالة هدأت الأزمة الحالية بعض الشيء.
ويقوم هذا الاحتمال على أساس التوصل إلى حل وسط يقنع الكورد بالتراجع عن المواقف الاخيرة مقابل اجراءات حكومية لمنحهم استحاقاقتهم، فضلاً عن احتمال وضع بعض التعويضات للكورد في الموازنة، لكن هذا الحل وان كان سيؤدي إلى تهدئة الاوضاع، إلا أنه سيؤدي بالنتيجة إلى تصدع الائتلاف، لانعدام الثقة بين أطرافه.
الخاتمة
يبدو -في الختام- أن الاحتمال الثالث هو الاقرب للتحقق، لأن إلقاء نظرة على الماضي يوضح أن جميع الأزمات بين المركز والإقليم تصل في النهاية إلى حلول ترقيعية ينتج عنها تهدئة هذه الازمات وتأجيلها، اما في الوقت الحالي فإن التصريحات المتبادلة تشير إلى انعدام الثقة والتشنج، لكنها لم تصل الى حد التهديد والوعيد بين أطراف الائتلاف، وفيما يتعلق بالمستقبل فإن ائتلاف ادارة الدولة بعد قرار المحكمة الاتحادية لم يعد كما كان قبله بعد الاتهامات الصريحة من قبل قيادات كوردية بارزة لأطراف في الائتلاف بالوقوف وراء القرار، مما يشير إلى ان الائتلاف ماضٍ نحو التصدع، حتى وإن هدأت الأزمة الحالية.