د. صادق المخزومي
أحيانا لم تأت الترجمة سواء الحرفية او المعنوية أكُلَها، بخاصة مع النص التاريخي والروائي، فإن ثمة كلمات لم تستطع الترجمة في قواميسها الحديثة سبرها، مثل كلمة ” أمة” تأتي بها الترجمة بصيغة “مجتمع” كما في الخبر الآتي:
– النص المترجم:” تتفوق خديجة على نساء مجتمعي كما تتفوق مريم على نساء العالمين”، بينما النص في المراجع:” فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين”؛ وعليه فمن دواعي منهجية بحتة الرجوع الى النص المرجعي وإثباته.
في مجال الترجمة للنص القرآني فقد ذكر في ديباجة كتابه: إن جميع الاقتباسات من القرآن مأخوذة من التفسير الإنجليزي لـ “محمد مرمدوك بـِكثال” [Marmaduke Pickthall (1875– مايو 1936)]. مع الأخذ في الاعتبار أن كل ترجمة هي تفسير، فقد قارنت في بعض الأحيان ترجمته بترجمة المترجمين الإنجليز الآخرين للقرآن، وسيتم تسميتها في النص عند حدوثها. على سبيل المثال: الهامش 350:
يقرأ الجزء الأول من سورة [الأعراف] 7: 157 ما يلي: “أولئك الذين يتبعون الرسول النبي الذي لا يستطيع القراءة ولا الكتابة، سوف يجدونهم موصوفين في التوراة والإنجيل (وهما) معهم …”. [} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ]. وسورة [الصف] 61: 6 تقول: “ولما قال يسوع بن مريم: يا بني إسرائيل! لو! أنا رسول الله إليكم، أكيد ما نزل قبلي في التوراة، وبشرى بالرسول الآتي بعدي، واسمه الحمد … ». [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ].
تم اتباع نظام الترجمة الصوتية، الوارد في بداية هذا العمل، في جميع أجزاء النص، باستثناء الحالات التي تم فيها اقتباس مؤلفين آخرين، وفي هذه الحالة تم احترام نظام الترجمة الصوتية للمؤلف المذكور. ما لم ينص على خلاف ذلك، جميع ترجمات النصوص العربية هي خاصتي.
من إشكاليات الترجمة إن المؤلف ينقل نصا من العربية الى الإنكليزية، ولما يترجم الى العربية مرة أخرى يختلف معناه، الى حد يفقد صلاحية المعنى، مثلا، بحسب نص المجلسي: “البتل القطع أي إنها منقطعة عن نساء زمانها بعدم رؤية الدم، قال في النهاية: “امرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، وبها سميت مريم أم عيسى ( عليه السلام ) وسميت فاطمة- عليها السلام- البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى” [البحار ، ج43، ص 17]
عند ترجمة [ع. م]: ” تفصل العذراء، أي تفصل عن نساء عصرها لعدم وجود لمنظر الدم. قال، في النهاية، تعزل المرأة البكر عن الرجال، الذين لا شهوة لهم اتجاهها. سميت مريم أم عيسى بهذه الطريقة، وسميت فاطمة بالبتول لفصلها عن نساء عصرها بالتفوق والدين و النبل. وأيضا قيل لفصلها عن العالم من أجل خدمة الله العلي العظيم”. وأرسلت المقطع لمترجمين عدة، فجاءت أقرب الى هذه الترجمة، وبخاصة عبارة “مفصولة من الرجال الذين ليس لديهم شهوة أو رغبة لها”
نلحظ في المتن أن المعنى مختلف، بخاصة في عبارة ” تعزل المرأة البكر عن الرجال، الذين لا شهوة لهم اتجاهها ” بينما نجدها في المصدر “امرأة بتول منقطعة عن الرجال، لا شهوة لها فيهم” إذ أن طبيعة شهوة المرأة خاصة بها، فهي أولى بتقدير حاجتها في الاجتذاب للرجل او الانقطاع عنه، وعليه هذا يدل على ضعف الترجمة من العربية حد الإخفاق في المعنى، مع العلم عرضت العبارة على مترجمين عدة، استجاب منهم: دكتور حسين ناصر، محمد باقر المخزومي (ماجستير)، غسان جلال (بكلوريوس)، أفنان ذو الفقار (بكلوريوس)؛ فجاءت متوافقة كما في المتن.
كذلك الأمر في ترجمة الحديث، يلحظ كم أضحى النص ضعيفا، على سبيل المثال: في ذيل آية : {يا زكريا إنا نبشّرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا} قال أبو عبد الله: أي لم نسمّ قبله أحدا باسمه، وكذلك الحسين- عليه السّلام- لم يكن له من قبل سمي] ؛ تكون الترجمة: أبا عبد الله يقول: “لقد أعطينا الاسم نفسه [ما] لم يُعطَ لأحد من قبل. الحسين بن علي، لا أحد يحمل هذا الاسم قبله، ويحيى بن زكريا، لا أحد يحمل هذا الاسم قبله…
يثير المؤلف أحيانا إشكالية ليس لها سابقة ولعله يعدها من مبتكرات البحث الأكاديمي الممتزجة باللاهوت الكاثوليكي، على سبيل المثال: توظيف حديث نبوي ومحاولة تكييفه مع آية قرآنية، ليتحصل في ضوء اللاهوت الكاثوليكي تعظيم مريم وتأليه المسيح وعصمتهما في مقابل علو القدسية لـ فاطمة الزهراء و الحسين، وهما من الخمسة أصحاب الكساء الذين شملوا بآية التطهير.
فالحديث “ما من مولود من بني آدم يولد إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها”. رواه البخاري وأسنده المفسرون الى آية {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (آل عمران 3: 36) .
الحديث عن أبي هريرة، يضعفه بعض علماء السنّة ، ويرفضه علماء الشيعة بشدة؛ على أنّ المسيحيين يستدلون به على أن البشر كلهم، حتى الأنبياء مجردون عن العصمة، معرضون للخطايا إلا عيسى بن مريم، فإنه مصون عن مس الشيطان، مما يؤيد ارتفاع المسيح عن طبقة البشر، ومن ثم يؤكد لاهوته الممجد .
غير أن مؤلف كتاب “فاطمة بنت محمد” يقول: “والآن، أضيف الحسين الى مريم وابنها، مما يثري مكانته بإعادة قراءة متأنية للآية القرآنية، وتكييف هذا الحديث” [ف2: 2. 2].
يبدو أن كريستوفر بول كلوهسي الكاثوليكي من خلال تكييف الحديث أراد إكمال حلقة البطان في مقارنة الحسين بعيسى وفاطمة بمريم، لترسيخ مجد مريم، وهو أبعد ما يهدف اليه في الكتاب. انظر كيف يلوي عنق النص، بحجة تكييف الحديث، وهو ينشد توظيفه لمآرب عقدية كاثوليكية، بخاصة عندما لم يتوافر على مادة تقدس مريم في مصادره التوراتية، فإنه يلجأ الى القرآن ويكيف وفق معانيه الحديث، فإن فيه مادة دسمة للبحث، بخاصة الروايات عن فاطمة والحسين فإن فيها وفرة وتنوع.
سؤالنا: هل أحد من علماء الشيعة قال بذلك؟ فأنا- على حد علمي المتواضع- لم أقف عليه؛ وهل هو من مناحي الغلو في الكاثوليكية بلبوس شيعي؟ وما يصعب تحصيله لو إن قراءة رفضت هذه المقالة [في أطروحة دكتوراه 2006] تمثل العاطفة الكاثوليكية وترصفها مع العاطفة الشيعية في تجسيد الرموز الدينية وتكييف التشابه بينها، يأتيك من مجتمعنا (الإسلام الشيعي) على فرقهم الفكرية، مثلا أصحاب الولاية التكوينية، ويعرفها – كما في موسوعة ويكي شيعة- هي القدرة على التصرّف في موجود آخر من دون توسط البدن، وتتجلى بقدرة المعصوم- عليه السلام- علی التصرّف في الأُمور الكونيّة، بأن يوجد أو يعدم شيئاً، على خلاف القوانين الطبيعيّة بتفويض من الله- عز وجل. ومن هنا ان الحسين ليس أقل من عيسى، ويجوز له كل ما يجوز للمسيح؛ وقد تنهض بمثل هذا فرقة أصبحت كبيرة اليوم هي “خدام الحسين”؛ فماذا تكون الإجابة حينها؟
لقد طالعت بشغف عددا من المصنفات التي تحمل عنوان فاطمة، فكانت كثيرة ومتعددة الاتجاهات في أهدافها البحثية، وكنت- قبلا- أظن أن فاطمة مظلومة حتى لدن الدارسين والباحثين، ولست أدري من أين أسبغت صفة المظلومية على جميع ما يخص ربّة التراجيديا العميقة وصاحبة بيت الأحزان، وكان عليَّ أن أستوعب أنَّها مركز دائرتي النبوة والإمامة في الإسلام العقدي والتاريخي، وأنّها قطب رحى أهل البيت المطهرين في الكتاب والحديث، فهي المرأة الوحيدة بين بضعة رجال، يلفهم كساء النبوة، جميعهم تمتُّ لهم بصلة وثيقة، مما اكتسبت فيه سمات المركزية، وقد تتجلى تلكم المعاني في التراث الثقافي على مساراته المتنوعة، ومنها المشهور في الدعاء المختص بحاجة الشفاعة: “اللهم بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها” ففي كل اسم بعدها يعلق ضميرها على نحو يمنحها القطبية، ويزيدها فاعلية وحركة لولبية تكملة الدعاء “والسرّ المستودع فيها”. يبدو أن هذا السر الكامن بدلا من سبر غوره، على الأقل لدى الدارسين، أمعن في حومانة الغموض والتجاهل، لعله بفضل تحذلق السياسة وتفيهق المتدينة، أو بمعنى تدخل عصا السلطة في عباءة الدين وتمذهباته، فأضحى هذا قريب يتزلف وذاك غريب يُستبعد، حتى أنه بعد انتهاء تسلط العباسيين في عهدهم الثاني (232- 332هـ) وظهور البويهيين على السطح السياسي (334- 447هـ) وارتسمت فيه خارطة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، طفق الى الكتابة عن فاطمة الزهراء ابن البيع النيسابوري (-405هـ/ 1014م) صاحب “المستدرك على الصحيحين” في محاولة جريئة، أتهم- خلالها- بالتشيع والتزلف من البويهيين، وهكذا أضحت فاطمة بنت نبي الإسلام رمزا شيعيا.
انتبه الأب كريستوفر الى نسبية التأليف عن فاطمة بين القديم والحديث، فقال: “يقدم لنا الفحص المنهجي لفاطمة لغزًا وعددًا من الأسئلة المصاحبة. ينشأ اللغز من ندرة الإشارات إليها في أقدم النصوص الموجودة ، مقارنة بالمراجع الغزيرة في المصادر اللاحقة”.
غير أن عددا من الدارسين المتأخرين كسروا هذا الطوق فانبروا الى التأليف عن فاطمة، من السنّة والشيعة والمسيحيين العرب والغربيين، ورسموا أنواعا واتجاهاتٍ من التأليف.
وعليه تم اختيار نماذج للكتابة عن فاطمة منها ما دبجته أقلام مسيحية، ومنها أقلام سنيّة، ومنها أقلام شيعية، ودرستها دراسة نقدية، فكان نموذج الكتابة المسيحية “فاطمة الزهراء: وتر في غمد” للكاتب سليمان كتاني،
نموذج من الكتابة السنيّة “السيدة فاطمة الزهراء (ع)”: للكاتب محمد بيومي مهران (1928- 2008م) الأستاذ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية. نموذج من الكتابة الشيعية: “فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد” للكاتب محمد [كاظم] القزويني.
المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – الطبرسي، تفسير جوامع الجامع 2/ 444؛ فخر الدين الطريحي، تفسير غريب القرآن، ص69؛ البحار 14/ 117؛ اسماعيل الأنصاري ، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء 5/ 291
[2] – BUH¹.، [صحيح] مجلد 4 ، ( 55 كتاب أحاديث الأنبياء) ، الفصل 39 ، ب. 641: 426– 427 . [تاريخ دمشق 47: 354؛ تفسير الرازي 8: 29؛ البداية والنهاية 2: 68؛ الدر المنثور 2: 19…] [3] – نحو: ابن عدي في الكامل في الموضوعات 6/ 401؛ والزمخشري في الكشاف 1/ 436.
[4] – إبراهيم لوقا، المسيحية في الإسلام، ص 127؛ أبو رية، أضواء على السنة المحمدية ص 185؛ جعفر العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم 2/ 171.
[5] – في الواقع ، تم الاعتراف بها عدة مرات ، على سبيل المثال ، في كتاب سليمان بن قيس الهلالي. يعتقد بعض العلماء (ولكن ليس جميعهم) أن هذا هو أقدم نص شيعي باقٍ، وتوفي المؤلف حوالي عام 80/662. يشار إلى فاطمة بالفعل في هذا النص على أنها “سيدة نساء الجنة”.