متابعة التآخي
كشف تقرير صحفي، معلومات جديدة عمّا باتت تعرف بـ”سرقة القرن”، وهي السرقة التي طالت هيئة أموال الضرائب في العراق.
وذكر تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني ترجمته وكالة شفق نيوز، ان “السرقة استهدفت اموال شركات نفط صينية وروسية، وان شبكة من المسؤولين العراقيين بما في ذلك ضمن سلطات الضرائب ومكافحة الفساد، تورطوا في المؤامرة لنهب مليارات الدنانير من هذه الحسابات البنكية”.
واوضح التقرير، ان “الشركات الرئيسية التي تم استهداف النيل من أموالها، هي الشركة الصينية للهندسة والانشاءات النفطية (CPECC) وشركة “لوك اويل ميد-ايست ليمتد”، وهي شركة محلية تابعة للشركة النفطية العملاقة”.
تزوير سجلات ووثائق وشيكات مزيفة
وبحسب التقرير فإن الخطة تضمنت تزوير سجلات ورقية لوثائق وشيكات مزيفة صادرة عن الهيئة العامة للضرائب في شهري تموز وآب العام 2021 لتلبية طلبات مزورة باسم هذه الشركات لاسترداد ودائعها الضريبية الموجودة في فروع بنك الرافدين حيث حاول المتورطون الذين ادعوا أنهم يمثلون هذه الشركات صرف الشيكات البنكية وسحبها نقدا.
ونقل التقرير عن مستشار في وزارة المالية قوله إنه لم تتم سرقة اية اموال في نهاية الامر لان قيمة الشيكات التي يبلغ بعضها عشرات ملايين الدولارات، بالاضافة الى الاهتمام الواضح من جانب بعض المسؤولين الكبار لتسهيل صرفها، أثار الانتباه لما يجري. وتابع المسؤول ان تفاصيل الشيكات البنكية سلمت الى لجنة النزاهة الحكومية الموكلة بالتحقيق بقضايا الفساد في القطاع العام والتي كلفت محققا للتدقيق في القضية.
ولفت الى انه تم تجميد بعض الشيكات لاحقا، بينما رفض احد المسؤولين المصرفيين محاولات صرف شيك بقيمة اكثر من 44 مليار دينار (اكثر من 30 مليون دولار)
غير ان تقرير “ميدل إيست آي” اشار الى الوثائق التي تحصل عليها، تظهر ان بعض المسؤولين في هيئة الضرائب ولجنة النزاهة ووزارة العدل، شاركوا في فبركة الوثائق التي تمهد لتنفيذ عملية السرقة.
واوضح التقرير ان المحققين الماليين ان الحسابات البنكية للشركات النفطية استهدفت من نفس الشبكة الضالعة باختلاس 3.7 تريليون دينار (2.5 مليار دولار) من اموال هيئة الضرائب المودعة في بنك الرافدين بين ايلول 2021 وآب العام 2022.
ونقل التقرير عن اشخاص شاركوا في التحقيقات انهم يعتقدون ان محاولة الاختلاس كانت بمثابة خطوة تجريبية في الوقت الذي تم فيه بالفعل الإعداد لعناصر “سرقة القرن” بما في ذلك استخدام شيكات بنكية مزورة ووثائق مزورة، مضيفا ان هذه الخطوة التجريبية كانت عاملا ساعد المشاركين على رصد كيفية استجابة وتعامل السلطات الرقابية والتنظيمية، وايضا من اجل تطوير المخطط للحؤول دون اكتشافه، مثلا كاللجوء الى استخدام شركات وهمية بدلا من استخدام اشخاص ينتحلون صفة انهم ممثلون حقيقيون لشركات حقيقية.
رسالة هيئة النزاهة منحت الضوء الاخضر للسارقين
وجزم التقرير استنادا الى احد المشاركين في التحقيقات، ان الرسالة الموجهة من جانب مسؤول كبير داخل هيئة النزاهة الى هيئة الضرائب في اواخر اب العام 2021، منحت “الضوء الاخضر” للسارقين من خلال الاشارة في البرقية الى ان هيئة النزاهة لن تقوم بالتدخل في شؤون تتعلق بمصلحة الضرائب.
واوضح التقرير ان الوثائق التي حصلت عليها “ميدل ايست آي” تكشف كيف ان اصدار الشيكات المزورة من اجل الاستحصال على اموال الودائع الضريبية باسم شركات النفط في آب العام 2021، اثار موجة من المراسلات والتدقيق التي شملت مسؤولين من هيئة الضراب وهيئة النزاهة وبنك الرافدين وهيئات رقابية اخرى مثل ديوان الرقابة المالية.
ولفت التقرير كيف انه سبق له تناول القضية المتعلقة بأبعاد ديوان الرقابة المالية عن دورها الرقابي في التدقيق بطلبات سحب الودائع الضريبية، في وقت كان الديوان لا يزال يؤدي هذا الدور الموكل اليه عندما تم اعداد الشيكات المزورة المتعلقة بشركتي النفط الروسية والصينية.
واوضح التقرير ان الوثيقة التي تم تقديمها الى هيئة الضرائب في 8 تموز العام 2021، والتي يبدو انها تتيح لرجل اعمال عراقي بالعمل كممثل لـشركة النفط الصينية في العراق، خضعت للتحقيق من جانب وزارة العدل وتمت الموافقة عليها من قبل مسؤولي هيئة الضرائب، بالرغم من وجود ادلة واضحة على انها مزورة.
وتابع التقرير ان هذا التفويض الذي يبدو انه موقع من قبل مسؤول في الشركة الصينية، يتيح لرجل الاعمال التمتع بصلاحيات مالية واسعة تتضمن فتح الحسابات البنكية وتشغيلها وسحب الاموال وايداعها ، وتلقي الشيكات وسحبها نقدا بالانابة عن الشركة.
واضاف ان التفويض يشير بالاسم الى رجل الاعمال علي محمد عيسى الجاف، الا انه لا يشتمل على ايه معلومات اضافية حول علاقة جاف بالشركة او تفاصيل اساسية مثل رقم هويته العراقية، فيما تبين انه لم يتم العثور على اية سجلات لوجود هذا التفويض.
وذكر الموقع البريطاني ان كاتب العدل الذي قام بداية بمهمة التحقق من التفويض في 8 تموز، قد خضع للتحقيق مرات عديدة بتهمة تزوير وثائق التفويض، ثم جرى نقله من بغداد الى بلدة صغيرة خارج العاصمة، منذ شهرين.
ونقل التقرير عن محققين ايضا ان وثيقة مشابهة جرى تقديمها الى هيئة الضرائب يزعم انه يمنح الصلاحية لرجل اعمال بالتصرف نيابة عن شركة النفط الروسية، اتضح انها مزورة ايضا.
وفي سياق مواز، ذكر التقرير البريطاني ان الشركة الروسية قالت في رسالة موجهة الى شركة نفط البصرة، انه لن تقم بتفويض اي شخص او جهة، بالعمل كممثل لها امام هيئة الضرائب، ولم تتلق اي شيء من اموال مستردة في عامي 2021 و 2022.
ولفت التقرير الى انه لا وجود لأدلة على ان الشركة الصينية على علم او متورطة في تزوير المستندات باستخدام اسمها او في محاولة السطو على الاموال من حساب الايداعات الضريبية.
وبحسب المحققين في وزارة المالية فإن التدقيق من وثائق التفويض المزورة والقبول بها من جانب المسؤولين في وزارة العدل هيئة الضرائب ولجنة النزاهة، قد ساهم في تسهيل محاولة السرقة.
ونقل التقرير عن مسؤول كبير قوله انه كان من الواضح ان المحاولات الاولى للاستيلاء على هذه الودائع اعتمدت على وثائق مزورة ، ثم من خلال التلاعب بالإجراءات والعمل على تسريعها.
واضاف المسؤول ان هذا الجانب من المخطط “كان ناجحا حيث تم تجاوز جميع العراقيل الاجرائية والرقابية، وهو ما تم تتويجه باصدار شيكات لصالح هذه الشركات”.
ونوه التقرير بان التحقيق في مخطط “سرقة القرن” كان يجري على خلفية اضطرابات اوسع في السياسة العراقية وداخل وزارة المالية، وكان قد اطلقه في ايلول الماضي وزير المالية بالإنابة احسان عبد الجبار اسماعيل ، الذي عُيّن من جانب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بعد استقالة سلفه علي علاوي في اب، احتجاجا على تفشي الفساد.
الى ذلك، اوضح التقرير ان الشيك الاول الذي بلغت قيمته اكثر من 31 مليار دينار (اكثر من 21 مليون دولار) صدر باسم الشركة الصينية في 2 اب، وان الوثائق تشير الى ان الموافقة على الشيك البنكي تمت من جانب سامر عبد الهادي قاسم ، وهو المدير العام بالإنابة لهيئة الضرائب.
اما الشيك الثاني البالغ اكثر من 12 مليار دينار (اكثر من 8 ملايين دولار)، فقد صدر باسم الشركة الروسية بعد بضعة ايام، وقام مساعد المدير العام لهيئة الضرائب اسامة حسام، بسحب الشيك بعد ان زح ديوان الرقابة المالية يستفسر حوله، في وقت كان الديوان في ذلك الوقت لا يزال يمارس دوره بمراجعة طلبات استرداد الاموال الضريبية.
وبحسب الوثائق ايضا، فان سامر قاسم قام بنقض خطوة اسامة حسام ، مؤكدا على ان الشيك البنكي للشركة الروسية سليم في 16 اب. وتابع قائلا انه في اليوم ذاته، فان قاسم قام بإلغاء الشيك الصادر له في 2 اب. ولا يوجد في الوثائق ما يفسر سبب ايقاف الشيك، ال ان المحققين قالوا ان اية محاولة تدقيق كان يجرى ابطالها عندما كانت تثير الانتباه او التدقيق.
واضاف انه بعد مرور يومين، جرى اصدار شيك اخر باسم الشركة الصينية وكانت قيمته اكثر من 30 مليون دولار، وان سالم قاسم اعطى موافقته عليه مجددا، الا انه جرى التبليغ عن هذا الشيك فورا الى هيئة النزاهة، بحسب ما قال مصدر مشارك في التحقيقات حيث اشتبه مسؤولون بان قيمة المبلغ الكبيرة تثير الشبهات ..
ضوء اخضر من النزاهة
ونقل التقرير انه جرى اعتقال قاسم في اطار تحقيقات “سرقة القرن” في تشرين الاول.
وبالاضافة الى ذلك، فان الهيئة قامت بعد ذلك بتكليف احد محققيها وهو بشير صباح هادي ، للنظر في القضية، حيث خاطب المحقق هادي هيئة الضرائب طالبا بتسليم جميع المستندات المتعلقة بطلب الشركة الصينية المفترض حول لاسترداد ودائعها الضريبية.
ومن اجل الرد على ذلك، قام سامر قاسم بالطلب من بنك الرافدين حجز الشيك اثناء التحقيق في المسألة، الا انه مع نهاية شهر اب، خاطب المدير العام لقسم التحقيقات في هيئة النزاهة كريم بدر الغزي الى هيئة الضرائب مبلغا اياها ان لجنة النزاهة لن تعترض على صرف الشيك البنكي، قائلا في رسالته “نود ان نبلغكم ان لجنة النزاهة لم تطلب ايقاف الشيك المعني”، ومضيفا ايضا ان المعلومات التي قدمتها هيئة الضرائب تشير الى انه “لم يلحق ضرر بالمال العام”.
وبحسب المصدر المطلع على التحقيقات، فان هذا الخطاب كان بمثابة “ضوء اخضر” اطلق العملية برمتها فيما بعد”، مضيفا ان ذلك كان بمثابة ضمانة خطية من لجنة النزاهة بعدم عرقلة العملية”.
وكشف التقرير ان بشير هادي تقدم بطلب للحصول على اجازة غير مدفوعة الاجر لمدة خمس سنوات في اواخر العام 2021 ثم غادر العراق الى جهة غير معروفة، لكن هناك مذكرة توقيف صادرة بحقه الان.
ولفت التقرير الى ان الغزي جرى عزله من منصبه من منصبه في هيئة النزاهة في 6 تشرين الثاني الماضي من جانب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بسبب فشله في منع سرقة اموال الايداع الضريبي.
اما رئيس الهيئة علاء الساعدي فقد استقال في 13 تشرين الثاني بعد ان قام المحققون بربط عدد من المسؤولين داخل الهيئة بمخطط “سرقة القرن”.
وتابع انه بعد مرور ساعات من تلقي خطاب كريم الغزي، اتصل سامر قاسم ببنك الرافدين من اجل السماح له بصرف الشيك المتعلق بالشركة الصينية بمبلغ 44 مليار دينار.
واضاف انه في الاول من ايلول ، دخل رجل يدعي انه ممثل الشركة الصينية في العراق الى فرع بنك الرافدين وطلب ان يصرف له الشيك نقدا بشكل فوري، الا انه ظهرت عقبة اخيرة، حيث تمسكت مديرة البنك بضرورة ايداع الاموال اولا في الحساب البنكي الخاص بالشركة، قبل ان يتم السماح بسحبها.
ونقل التقرير عن احد المحققين قولهم ان “مديرة البنك رفضت تسليم الاموال نقدا واصرت على ايداع قيمة الشيك في الحساب المصرفي الرسمي للشركة”، متسائلا عن الهدف من خلق هذه العملية اذا انتهى الامر بالمال في حساب الشركة؟”.
وتابع التقرير ان الرجل لم يتمكن من ان يقدم للبنك تفاصيل حساب الشركة وخرج خالي الوفاض، مضيفا ان المحققين يعتقدون ان هذه الحادثة هي التي جعلت المتآمرين يعمدون الى تنقيح خطة “سرقة القرن”.
واوضح انهم استخدموا شبكة من الشركات الوهمية وأنشأوا حسابات مصرفية باسمهم في بنك الرافدين.
واضاف انه بعد مرور اسبوع واحد، في 9 ايلول ، جرى ايداع الشيك الاول في حساب تم فتحه قبل يومين باسم احدى هذه الشركات، وهي شركة ” Al-Qant General Contracting Company”، موضحا ان قيمة الشيك الذي جرى سحبه نقديا في اليوم ذاته، تعادل تماما قيمة مبلغ الشيك الذي تم اصداره للشركة الصينية والذي كان مسؤولو البنك رفضوا صرفه قبل ثمانية ايام، اي بالتمام دينار44133732000