تقاليد الزواج في شنكال وماذا بقي منها

 

ثامر الحيدري

كانت شنكال وما تزال تزدهر بالتراث الأصيل وعادات مميّزة لها وقعٌ خاص في نفوس الجميع ومنها تقاليد الزواج في المجتمع الشنكالي حتى وقت قريب.

تتميّز عملية الزواج في شنكال بمرحلتين وهما (الخطوبة، وحفلة العرس أو الزواج) ناهيّك عن الطريقة الأخرى وهي الزواج بالخطف (وهي عملية أو طريقة في الزواج تتناقض حولها الأفكار والآراء حتى الآن، لَن ندخل في تفاصيلها بموضوعنا هذا).

 

المرحلة الأولى: الخطوبة

كان أهالي شنكال يعيشون في مجتمع و(لا زال نوعاً ما) يسوده الطبقة الاجتماعية والأُسرية، لذلك فقد كانت العلاقات الاجتماعية هي التي تسيطر على الروابط العائلية ومنها الزواج.

فإذا أرادَ أحدهم الزواج بفتاةٍ ما يقوم بإخبار أهلهِ أو مَنْ ينوبهم ، فيستعدّون بالذهاب إلى بيت الفتاة من خلال وفد له القيمة والحضور بين الناس و إذا اقتربت أفكارهم حول الموضوع و طريقة دفع المهر يتم إعلان الموافقة بخطوبة الفتاة إلى الشابّ المعني بالأمر ، و تُوزَع الحلوى على الحاضرين و الجيران كدلالة على إتمام الخطوبة ( و في أغلب الأحيان تكون الحلوى الموّزعة حَبّات التين الشنكالي ) ، بعدها يعود الوفد إلى بيت وليّ أمر الشاب لإتمام الفرحة و تبشيرهم بحصول الموافقة على الخطوبة و كذلك يقومون بتوزيع الحلوى على جيرانه .

أمّا الفتاة المعنية بالخطوبة.. فلَمْ تكن لها رأي بموضوع الخطوبة أو الزواج سوى تقليدها محبس (خاتم) ذهبيّ تدل على خطوبتها، وغالبا لَم يكن للشاب أيضاً رأي بذلك الموضوع.

 

 

 

ماذا كان يُدفع من المهر؟

كان المهر محدَّد وبعدَّة طرق، ولكن الطريقة الشائعة في دفع المهر كانت الـ(كيس + به ر ته لف):

  • الكيس: عبارة عن كيس نقدي من المال = 7 سبعةُ دنانير، وهناك مَنْ يقول أنَّه يساوي (سبعة دنانير ونصف الدينار)
  • به ر ته لف: كلمة كوردية تسمى ب(التعويض).. التعويض عن شيء مفقود أو المبادلة، وكان يتمّ التعويض عن الفتاة بـ (فتاة من بيت الشاب أيّ كصة بكصة، قطعة سلاح، قطعة أرض، بستان زراعي أو حصة من أشجار التين أو شابه، مواشي.. الخ).

وفي بعض الأحيان كانت جميع تلك التعويضات يتمّ طلبها من بيت الشاب الراغب بالزواج وخاصةً في حالة الخطف.

 

 

 

 

المرحلة الثانية: حفلة العرس أو الزواج

1- قبل حفل الزواج

أ- الاستعداد لحفلة العرس: كانت المؤونة تُحضَر بمساعدة الأهالي والجيران في المنطقة حيث يتمّ تحضير (البرغل) وبقية أنواع التجهيزات اللازمة للحفل ك (الدهن، الماء، الحطب، وترتيب المكان.. الخ).

كان مُجازاً للعروس المتزوجة حديثاً أن تُشارك في تلك الأعمال بشرط أن تلبَس الكوفية الدالّة على حداثتها الزوجية.

كانت الحنطة المستعملة لصناعة البُرغل من النوع الخشن، وكانت هناك أغاني خاصة بحفلات العرس مع الدق على الحنطة المستعملة لتنعيمها، يردّدونها الحاضرون للتعبير عن حالة الفرح والرضا بين الجميع.

ب- إرسال الدعاوى: كانت تُرسَل الدعاوى إلى المعارف و الأصحاب، و كانت تلك الدعاوى عبارة عن (حذاء = بيلاف) أو (غُترة = دسمال أو جه مه دانى).

وبعد أن يُبلّغ المدعوّين بيوم العرس كانوا يحضرون قبل يوم العرس بيوم مثلاً (يوم الجمعة يكون العرس.. فيحضرون يوم الخميس) وكان صاحب الطبل والزرناية أو المزمار موجودين للمناسبة.

ج – واجبات العريس والعروس قبل الزواج:

كان مفروضاً على العريس أن يختار (أخ الآخرة) وكذلك بالنسبةِ للعروس فقد كانت مُلزمة باختيار (أخ الآخرة أو أخت الآخرة).. ولا زالت تلك الفرضية قائمة عند الأيزديين إلى يومنا هذا.

 

 

 

كانت هناك إجراءات أخرى تُتخذ قبل حفلة العرس ومنها حضور أصحاب الطبل والزرناية (الفنانين) فيعزفون الألحان الغنائية المتعلّقة بالفرح ويوم الزواج، ويأخذ الحاضرون بتشكيل حلقات الدبكة.

وفي الليل.. رفاق العريس يجتمعون حوله، ويُمازحونه بأمور الزواج، وهو أيضاً يتوعدهم بمعاقبتهم عندما يصبح (باشا).

يوم العرس

كانت العروس تُحمَل على المَهين (الفرس الأنثى) للتوجه بها إلى بيت زوجها حيثُ كان أحد الأشخاص من طبقة الشيخ (إحدى طبقات الديانة الأيزدية) هو الذي يقوم بتسيير الفرس من رأسها (حيثُ كانت وسيلة السير بالسيارات معدومة تماماً لعدم توّفرها).

يتبادَر إلى الأذهان.. لماذا كانت تُحمَل العروس على الفَرَس الأنثى دون الذكر منها؟

جواب ذلك.. أنَّه باعتقاد الأيزديين في شنكال أنَّ العروس التي تركب الفَرَس الذكر في يوم عرسها قَد لا تنجب الأولاد أيّ تًحرَم من الذُرية.

تتوجه العروس إلى بيتها الجديد، وهنا تُجدَر الإشارة إلى أنَّه قد لا يُرافقها أيّ شخص من عائلتها أثناء الرحلة لأنَّه يعتبر نوعاً من الخجل أو الاستحياء، ولكن قد يُرافقها فتاة أو فتاتين من زميلاتها المقرّبات إليها لحين وصولها إلى بيتها الجديد حيثُ عريسها ينتظرها.

قبل وصول العروس إلى بيت زوجها.. كانت تؤخَذ إلى بيت (الشيخ shix أو البييرpeer) أو أحد المزارات الدينية القريبة للتبرك.

عندما تصل العروس قريبةً من بيتها الجديد.. تُطلَق طلقات (عيارات) نارية إنذاراً بوصول موكبها، فيضطرّ العريس ومستشاريه إلى الخروج بعيداً عن البيت حيثُ ينصحونه بأمور تتعلَّق بالحياة الزوجية وحياته بعد الزواج.

يزور العريس وإخوانه المستشارين أحد البيوت من طبقة (الشيخ أو البير) للتبرك أيضاً.

هنا تجدر الإشارة إلى أنَّه يجب على العريس زيارة أحد البيوت من طبقة الشيخ (شيخ أبو الحسن) من أجل مباركته.

يبقى العريس واقفاً بمكانه حيثُ هو وجماعته إلى حين جلوس العروس بمكانها.. ثُمَّ يعود مع جماعته إلى البيت، وقد يُختار لهم ديوان مجلس العشيرة للجلوس فيه نظراً لسِعَة مكان الجلوس فيه وأهمية المناسبة بالنسبة للعشيرة أو القرية ككُل، علماً أنَّ ذلك المجلس مخصَّص للرجال فقط.. فيجلس العريس وإخوانه المستشارين بصدر الديوان أو المجلس.

يُبعَث خبر إلى مكان وجود العروس حيثُ هي واقفة ينبئهم بجلوس العريس في مكانه قائلين بأنَّ (الباشا) قد جلس في مكانه حتى تبدأ العروس بالجلوس هي الأخرى في مكانها المخصَّص وتأخذ راحتها (حيثُ لا تستطيع الجلوس إلا بعد إعلامها أو إعلام مَنْ معها بجلوس العريس).

هناك نيشان (القطيك) مع العروس يُعطى لأحد الأشخاص كي يُوصلها حيثُ العريس و جماعته ( بأغلب الأحيان يقفون على أقرب تَلَّة أو مكان عالي ) يقوم أحد مستشاريه بشدّها حول رأسه و هنا تبدأ سلطات الباشا حيَّز التنفيذ ، و بعد ذلك يتوجه الجميع إلى الجلوس بمكانهم ( العريس إلى مجلس العشيرة أو القرية  والعروس إلى المكان المخصَّص لها بالجلوس حيثُ تجتمع حولها النساء و الفتيات ) عندئذٍ يمكن للباشا إصدار الأوامر و محاكمة إلى حيثُ مَنْ يشاء من بين الحاضرين في المجلس ، و قّد يُرسَل في طلب أحد الغائبين عن المجلس لإجراء محاكمته .

بما أنَّه تشكلَّت بما تشبه المحاكمة.. إذاً لا بُدَّ من وجود (قاضي، وانضباط) يساعدون الباشا بتنفيذ الأوامر، فيقوم العريس ومستشاريه بتوجيه تُهمةٍ ما إلى أحد الأشخاص من بين الحضور.. عندها تعمل الانضباطية على جلبه وإركاعه أمام القاضي للاستجواب، فيبذؤون معه مثلاً بالآتي:

لماذا لم تكن حاضراً بيننا ليلة أمس؟ أو لماذا لا تقوم بتنفيذ واجباتك بمناسبة العرس؟ أو لماذا تكلّمتَ عن الباشا ومستشاريه بكلام غير لائق؟

فتبدأ المحاكمة.. صاحب التهمة أيضاً يحاول الدفاع عن نفسه وإثبات العكس للحضور وللقاضي بالذات، ولكن إذا ثُبتت التُهمة عليه يُلزَم بالخسارة من أجل الحفلة، وإذا رفض المساهمة في مصاريف الحفل (حسب قرار القاضي) يتم معاقبته عملياً بحيث تُجرى له حركات مؤلمة في جسده وهو يستغيث ويتوَّعد.. فيبدأ الحاضرون بالضحك والمرح من مشاهدة الحالة.

تلك المحاكمة.. تجرى لإضفاء صفة المرح والضحك بين الحاضرين من اجل مناسبة العرس، ولا تُخلّف أيّ نوع من الحقد أو التقليل من شأن الشخص المتهم أو الذي يتم محاكمته

 

 

 

سلطات الباشا:

تبقى سلطات الباشا نافذة لحين وجود النيشان (القطيك) حول رأسه، ولكن إذا نُهِبَت من رأس الباشا (وهذه العملية أو المحاولة تُلاقي مقاومة شديدة من جماعة العريس) لأنَّ حكمهم يتوقف على وجود ذلك المنديل على رأسه وبفقدانها ينتهي حكمهم على المجلس.

تلك الحالة أعلاه.. تشبه حالة وجود حكومة، ومعارضة لها في الحكم.

لا بُدَّ من نهب المنديل ويتم ذلك بالفعل من قِبَل أحد الأشخاص، والذي بدوره يتحمَّل كُلّ أساليب المقاومة بما فيها الألم الجسدي بسبب الضرب من جماعة العريس لأجل الحصول على رمز الحكومة (المنديل) وإذا حصل عليها فأنَّه يتوَّجه إلى المكان الذي تتواجد فيه لعروس ليُعطيها للمتواجدين مع العروس، وعلى الأغلب (تتواجد مع العروس النساء والفتيات).

تقوم العروس وزميلاتها بعد استلامهن المنديل بإعطاء ذلك الشخص (الذي ظفر بالمنديل) شيء مادّي كأن يكون مبلغ مادّي أو أيةِ هدية مادّية أخرى، وفي حالة عدم نهب المنديل من رأس العريس.. يتم إعطائها لشخص فقير الحال مادّياً من بين الحضور في المجلس أو القرية (رفقاً بأحواله المادّية) فيأخذها إلى مكان وجود العروس فيُعطى النيشان (أو المنديل) إليها مقابل مبلغ مالي يُعطى له أو (هدّية مادّية).. وهنا تنتهي مُدَّة حكم الباشا وأصحابه.

 

الدبكة:

بعد الانتهاء من طعام الغَداء (حيث تُعمَل وليمة كبيرة وواسعة للمدعوّين والحاضرين) يذهب الجميع إلى تشكيل حلقات الدبكة على أنغام الزرناية أو المزمار مع الطبلة.

أثناء الدبكة.. كان العريس وجماعته يذهبون إلى الدبكة لحالهم، وكذلك الحال بالنسبة للعروس وجماعتها هُنَّ أيضاً يذهبن إلى الدبكة لحالهن (أيّ أنَّه كان مُخجلاً أن يذهب العريسين معاً إلى الدبكة).

يدبك الجميع فرحين بالمناسبة.. أمّا أصحاب الطبلة والزرناية فأنَّهم يتفَنّنون بطريقة أدائهم وإظهارها للحضور ليكسبوا ودّهم ورضاهم فيُعطى لهم الشاباشية (نثر الفلوس أو إعطائها لهم)، كما أنَّهم بذلك قد يكسبون (مناسبات الأفراح المقبلة.. أيّ الدعاية الفنية) تستمرّ الدبكة والأفراح حتى المساء وقد تستمرّ لأكثر من يوم.

مع غياب الشمس.. يقلّ عدد الحاضرين في بيت العريس ما عدا الأقرباء الخصوصيين.

أمّا في المجلس.. فأنَّ الفنانين (المطربين والشعراء = سترانبيز) يشاركون في الحفلة وخاصة في المساء، ويظهرون مواهبهم الفنية والغنائية، حيث يغنّون المواويل العاطفية والحماسية، والأغاني المتعلّقة بالزواج وجميعها تتعلّق بالفلكلور الأصيل والمجلس بأجمعه لهم مستمعين.

في هذه الأثناء يكون العريس وجماعته منشغلين بإتمام حفل الزواج.. حيثُ يتوَّجهون إلى مكان تواجد العروس وسط حذر شديد وصمت مُطبق في ذلك المكان.

يقوم أخوان العريس (مستشاريه) بمراقبة المكان، يساعدهم في ذلك الحاضرين من الشباب للحيلولة دون حدوث مفاجآت، حتى و إن حدث طارئ فأنَّهم لا يدعون العريسان يحسّون به قبل إتمام عملية الزواج.

عندما يتمّم العريس عرسه، بحيث تصبح العروس زوجته.. تُطلق طلقة واحدة (عيار ناري) في الهواء نيشاناً بالزواج بين العريسين فتوزع الحلوى من جديد على الحاضرين.

 

الخيلى:

هناك قطعة قماش خفيفة وملونة توضع على رأس العروس تسمى ب(الخيلى) وتبقى على رأسها لحين مضي (7) سبعة أيام على زواجها، وبعد مرور تلك الأيام يأتي أخوان العريس (مستشاريه بيوم الزواج) إلى العروس ويرفعون تلك القطعة الملونة من القماش (الخيلي) من رأس العروس، وبذلك تصبح العروس حُرّة بمنزلها الجديد لتبدأ حياة جديدة.

بعدها.. تستعد العروس لزيارة بيت والدها حيث يُرافقها أصحاب العريس (مستشاريه وبعض الأفراد من عائلته) وتُرسَل معها بعض الهدايا مع وليمة طعام جاهزة تأخذها إلى بيت والدها (في أول زيارة لها بعد الزواج).

تقوم عائلة العروس بدعوة نصيبهم الجديد (العريس) إلى بيتهم ومعه أصحابه لرفع الكلفة بينهم حيث يصبح بمثابة فرد من العائلة.. ويُعطى لهم أثناء تلك الدعوة ما يتوفر من هدايا تقديراً لمكانتهم ومعزّتهم ضمن العائلة.

هذا ما تيّسَرَ لنا بسرده عن تقاليد الزواج أيام زمان في شنكال وبعد تطوّر العصر ومرور الزمن.. تغيّرت عملية وتقاليد الزواج في شنكال حيث اضمحلَّت العديد من العادات وانقرضت العديد منها التي كانت تُمارس في الماضي والتي (ذكرناها سابقاً) حيث لم يتبقى منها غير البعض القليل:

  • أخوان العريس (المستشارين) وعملية الحاكم والمحكوم لم تزل باقية إلى يومنا هذا.
  • تذهب العروس إلى بيت أهلها بعد مرور (7) أيام من زواجها.
  • العريسان.. يزوران إلى أحد البيوت من الطبقة الدينية (الشيخ أو البير).

 

أمّا العادات التي تغيّرت فهي:

 

  • تصعد العروس اليوم في أحدث السيارات عندما تُنقَل من بيت أهلها إلى بيت زوجها.
  • بدلاً من قطعة القماش الملونة (الخيلى).. تذهب إلى الكوافير وتؤجّر فستان الفرح.
  • العريسان يجلسان جنباً إلى جنب في موقع بوسط الدبكة (الديلانى) يشبكان أيديها مع بعضهما.. بَلْ ويشربان العصير كُلٌّ من يد الآخر، ويذهبان معاً إلى الدبكة (ذلك الخجل المفروض لَم يعد موجوداً في الحالة.. وقد تكون هذه من الإيجابيات لتقوية أواصر المحبة بين الزوجين).
  • بالإضافة إلى ذلك.. هناك نوعاً من التفاهم بين الشاب والشابة قبل الخطوبة أو الزواج، بَل أنَّ الموافقة الفعلية تتم بينهما قبل أن يتم الاتفاق بين عائلتيهما على عكس ما كان في الماضي، وذلك إيجابية أخرى من التغييرات التي طرأت على عادات وتقاليد الزواج في مجتمع شنكال.

تلك التغيّرات والتناقضات ما بين الماضي والحاضر ليست جميعها سلبية.. إذ نحن مُلزَمين أن نتماشى مع أمور ومتطلبات العصر خاصةً فيما يتعلّق بالحالات الاجتماعية ولكن بشرط (أن يبقى ما يدلّ على تقاليدنا وعاداتنا الأصيلة).

 

 

 

قد يعجبك ايضا