أربيل – التآخي
أكد رئيس جمهورية العراق، عبد اللطيف جمال رشيد، أن الشرق الأوسط يشهد تحولات سياسية وأمنية وعسكرية مستمرة، منوهاً إلى أن التعاون بين بغداد وأربيل يصب في مصلحة الجميع.
جاء ذلك في كلمته خلال منتدى أربيل السنوي الثالث، الذي الذي تنظمه مركز رووداو للدراسات وبالشراكة مع مراكز بحثية ومؤسسات مرموقة على مستوى الشرق الأوسط والعالم تحت شعار “القلق المتراكم حول مستقبل الشرق الأوسط”.
وشدد عبد اللطيف رشيد على ضرورة وقف “العدوان على الشعب الفلسطيني ودعمه في تقرير مصيره”، كما رحّب بالتغيير السياسي في سوريا، مؤكداً استعداد العراق لإقامة علاقات ودية مع المنظومة الجديدة هناك.
وأشار إلى أن “الإرهاب لا يزال يشكل تهديداً حقيقياً”، مما يتطلب توحيد الجهود والتكامل الوطني لمواجهته، لافتاً إلى أن العراق، بعد معاناته من السياسات الديكتاتورية، تبنّى نهجاً قائماً على الديمقراطية والعدالة والمساواة.
كما أكد عبد اللطيف رشيد على أن العراق سيظل عاملاً للاستقرار الإقليمي وصديقاً للشعوب.
وأدناه كلمة رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف جمال رشيد في منتدى أربيل الثالث:
من دواعي السرور أن أكون معكم اليوم لتبادل الرؤى حول المستجدات التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط وموقف العراق منها والتي سيكون لها آثارها على العراق.
منذ أكثر من سنة ومنطقة الشرق الأوسط في حراك سياسي وأمني وعسكري مستمر، انعكس على الخارطة السياسية في بعض بلدان منطقة الشرق الاوسط، وراح ينذر بتهديدات أمنية ومجتمعية في بلدان أخرى، ولن يكون العراق بعيداً عنها، إن لم يتم اتخاذ إجراءات داخلية سريعة لمعالجة بعض القضايا وعلى نحو حاسم، وإجراءات تتخذ بالتشاور مع دول الجوار والمنطقة.
لقد تعرض الشعب الفلسطيني منذ سنة ونصف تقريباً الى عدوان بدأ بقطاع غزة وامتد اليوم الى الضفة الغربية أمام صمت أغلب دول العالم، تسبب بحدوث كارثة إنسانية مروعة من قتل للنساء والأطفال والشيوخ وتهجير للمدنيين العزل، وهنا نجدد التأكيد على ضرورة استمرار وقف القتال وإغاثة المنكوبين وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
وفيما يخص التغيير السياسي الذي حصل في سوريا، فنحن إذ نرحب بخيارات الشعوب الديمقراطية والباحثة عن التغيير والسير قدماً لبناء منظومة حكم رشيد، نتمنى ان يلبي هذا التغيير طموحات الشعب السوري بجميع قومياته ومكوناته وطوائفه، ومن جانبنا سنعمل على إقامة علاقات ودية مع منظومة الحكم الجديدة، يسودها الاحترام والتعاون المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، والعراق على استعداد لدعم أي جهد يساعد على تسريع الاستقرار الداخلي للشقيقة سوريا وتحقيق ما يتطلع اليه السوريون.
هدد خطر الإرهاب العالم بأسره وطال العراق على وجه الخصوص واستهدف أبناء شعبنا جميعا، كما استهدف المباني والجامعات والمناطق الأثرية فضلاً عن استهداف العلماء ورجال الدين وأصحاب الشهادات العليا، وكان الهدف هو إفراغ البلد من الكفاءات، ولم يتحرر العراق من هذا الاحتلال إلا بتضحيات كبيرة من أجهزته الأمنية بكافة صنوفها وتكاتف جهود شعبنا بمكوناته وقومياته وطوائفه.
لقد سجل العراقيون ملحمة عراقية جديدة في الدفاع عن الوطن والمواطنين، وبعد كل هذه التضحيات يعود الإرهاب مرة أخرى ليهدد العراق ودول الجوار بمخطط جديد لتحقيق ما تطلع إليه والثأر من الهزيمة التي لحقت به، من هنا نرى أن توحيد الرؤية السياسية وتوحيد الجهود وتحقيق التكامل الوطني أمر لا بد منه لإفشال المخططات العدوانية الجديدة التي أصبحت تهدد بصورة جدية دول المنطقة وليس العراق فقط.
لقد عانى الشعب العراقي من سياسات النظام الديكتاتوري التي كانت تقوم على فلسفة الحكم الشمولي في التفرد بالسلطة وقمع الحريات وعدم الاعتراف بالحقوق القومية للعراقيين والتدخل بالشؤون الداخلية للدول وخاصة دول الجوار.
تلك الفلسفة التي لم تأتِ على العراق إلا بالويلات وتأزيم العلاقات وفقدان الأصدقاء والاشقاء والعزلة الدولية، من هنا نؤكد أن سياسة العراق اليوم تقوم على التعاون والتكامل مع باقي البلدان وعلى أساس مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان واحترام خيارات الشعوب في بناء منظومات حكمها.
لقد اختار العراقيون بعد سنة 2003 لأنفسهم نظاماً سياسياً جديداً يقوم على الديمقراطية والعدالة والمساواة الاجتماعية وعدم التمييز بين أبناء شعبه على أساس القومية أو الدين أو الطائفة، وعلى تقاسم السلطة بما يضمن حقوق الجميع، ومن هنا، فإن الالتزام الكامل بمبادئ الدستور، والعمل على إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء القوميات والطوائف هو ضرورة كي نحمي نظامنا الديمقراطي ولا بديل عن هذا الخيار من أجل أن ينعم الشعب بالحرية والرفاهية والاستقرار.
ان تكثيف التعاون والتنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان في كافة المجالات هو في صالح الجميع، فالعراق غني بشعبه وتنوع تشكيلاته القومية والاجتماعية والاثنية، وهو غني كذلك بثرواته وموارده الطبيعية، ويجب استثمار كل ذلك لتحسين الاقتصاد وتسريع وتيرة النمو وتوجيه ثروة العراق الى البناء والتطوير وخدمة المحافظات كافة.
ان سياسة العراق الجديدة تقوم على احترام سيادة الدول وخيارات الشعوب والالتزام بإقامة عـلاقات ودية متوازنة مع الجميــع، مع رفــض أي تدخــل في
شؤون العراق الداخلية، فالعراق قادر على الرد على كل التدخلات وانتهاك حرمة حدوده واراضيه، لكننا نؤمن بالحلول الدبلوماسية والحوارات الودية والتفاهمات الثنائية ليس من باب الضعف لا سمح الله، ولكن من أجل الاحتفاظ بعلاقات ودية متوازنة ولتجنيب الشعوب ويلات الحروب.
يعيش العراق اليوم في ظل أمن واستقرار مجتمعي لم يعهده من قبل، ولم يكن لهذا الأمن أن يتحقق لولا جهود أجهزته الأمنية بكافة صنوفها فضلاً عن الاستقرار السياسي الذي انعكس على الواقع الأمني الذي نحرص على ادامته وتقويته، فالاستقرار الأمني والسياسي هو بوابة تحقيق الازدهار الاقتصادي وجذب الاستثمارات والتنمية المستدامة، ولكن وبالرغم من استقرار أسعار النفط والتوازن بين الاسعار المثبتة لبرميل النفط في الموازنة العامة والاسعار السائدة، نقف على إشكالية عدم استكمال تمويل وزارة المالية للمشاريع الخدمية والاستثمارية للوزارات والمحافظات، ما يؤخر عملية التنمية الاقتصادية والنهضة العمرانية للعراق، وهذا لم يقتصر على عدم تمويل المشاريع الاستثمارية، بل على عدم تمويل أبواب الموازنة التشغيلية كافة باستثناء باب الرواتب، الأمر الذي يدعو لوقفة جادة ومعرفة الأسباب التي تقف وراء ذلك، فمن مستلزمات الدولة الديمقراطية الشفافية والمصداقية في التعاملات خصوصا المالية منها.
أخيراً .. إن العراق بما ينعم به من أمن واستقرار وثروة وطاقات بشرية لن يكون إلا عامل استقرار بالمنطقة وصداقة بين الشعوب ومسانداً لخيارات الشعوب والأوطان المتطلعة لحياة حرة كريمة.