محمود صالح شيرواني
الحديث عن وقوع الحرب العالمية الثالثة ليس أمراعاديا أبدا ليفكر فيه العقل البشري بسهولة ويسر،ليحلل ويستنتج نتائجها المتوقعة، فلهذا العقلتجربتين قاسيتين سابقًا، هما الحربين العالميتينالأولى والثانية. في الأولى (١٩١٤-١٩١٨) كانتالخسائر البشرية تقدر بأكثر من ٢٥ مليونا، ولكنهذا العقل لم يتعلم من هذه النتائج المرعبة، كأن هذهالخسائر البشرية، ناهيك عن الخسائر المادية، بلاقيمة، فحدثت الحرب الثانية (١٩٣٩-١٩٤٥)،وخسرت البشرية أكثر من ٦٠ مليون إنسان.
في الحرب الأولى، أستخدمت الغواصة والدبابةوالطائرة في العمليات العسكرية لأول مرة، فأحدثتتطورات نوعية في الاستراتيجيات والتكتيكاتالعسكرية، وهذه أغرت الدول المتحاربة بممارسةالمزيد من العنف ضد بعضها بعضا، حتى أصبحالصراع صراعًا صفريًا في الكثير من مراحلالحرب.
وفي الحرب الثانية، ومع تطور هذه أنواع منالأسلحة واستحداث أخرى بشكل مذهل، أُستخدمكذلك السلاح النووي الأمريكي لأول مرة ضد اليابانفي ١٩٤٥، والذي بسببه أُنهيت الحرب بشكل أسرعمن المتوقع.
– لماذا النووي أسرع في إنهاء الحرب؟
ببساطة، لأن هذا السلاح له قدرة تدميرية رهيبة،وأرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تبين للعالم،وبالذات الاتحاد السوفيتي، أن لديها هذا السلاحالفتاك، وبالتالي ليقبل بها العالم سيدة إمبراطورة له. ولكن لم تجري الرياح بما تشتهي سفن أمريكا، فقدتمكن الاتحاد السوفيتي من صنع قنبلته النووية في١٩٤٩ في بدايات الحرب الباردة، وهكذا، وحتىاليوم ٢٠٢٤ تمكنت تسعة دول في العالم منالحصول على الأسلحة النووية، وهذه الدول هيأمريكا وروسيا، اللتان تمتلكان نحو ٩٠ بالمئة منها،وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستانوإســرائيل وأخيرا كوريا الشمالية.
– كم رأسا نوويا تمتلك هذه الدول الـ ٩ اليوم؟
ذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام(سيبري) أنه رصد زيادة عدد الرؤوس النووية فيحالة الجاهزية القتالية حول العالم في٢٠٢٣-٢٠٢٤. وأشار أن الدول التي تمتلك الأسلحةالنووية تواصل تحديث ترساناتها منها، ونشربعضها في عام ٢٠٢٣ أنظمة جديدة مع الرؤوسالنووية أو قادرة على حمل الرؤوس النووية. وحسب(سيبري) فمن أصل الرؤوس النووية الـ ١٢١٢١ الموجودة في العالم حتى كانون الثاني ٢٠٢٤، كانتنحو ٩٥٨٥ بحالة الجاهزية القتالية. ونشرت نحو٣٩٠٤ منها على الصواريخ أو طائرات، وهذا يزيدعما كان عليه الحال في كانون الثاني ٢٠٢٣ بمقدار٦٠ رأسا نوويا.
وبالطبع للدول حساباتها الأمنية والاستراتيجيةالحساسة، ولذلك لا يمكن الثقة بالأرقام التي تنشرهاهذه الدول عن عدد رؤوسها النووية، ومن المتوقع أنيكون العدد أكثر بكثير.
– في أي سياق تأتي هذه التحديثات في الترساناتالنووية؟
باختصار شديد:
تأتي هذه التحديثات بعد مرور أكثر من سنتين علىالحرب الروسية على الأوكرانية التي بدأت في شباط٢٠٢٢، والمواجهة غير المباشرة (وربما المباشرة) بينروسيا الاتحادية والمعسكر الغربي بقيادة أمريكا.
فقد هددت أو صرحت الدول الغربية بأن تستخدمأوكرانيا أسلحتها –أسلحة الدول الغربية– ضدأهداف في الداخل الروسي، فهددت روسيا بالمقابلبتغيير عقيدتها النووية واستخدام أسلحة نوويةتكتيكية، وأصبحت توظف التهديد النووي كلما قدمالغرب مساعدات عسكرية لأوكرانيا. فنفذت روسياتدريبات على استخدام الأسلحة النووية التكتيكيةقرب الحدود الأوكرانية في ٢١ أيار ٢٠٢٤، وتبلغالقدرة التفجيرية لهذه القنابل ٣٦٠ كيلوطنا، وتعادل٣٠ ضعف قدرة القنبلة التي ألقيت على مدينةهيروشيما اليابانية.
وثم أعقبت موسكو ذلك بتدريبات مماثلة بتاريخ ١٢ حزيران ٢٠٢٤ قرب حدود الدول الأعضاء في حلفشمال الأطلسي (ناتو) النرويج وفنلندا وبولنداوإستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وكل هذا لكي يبينفلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، للغرب بأنه لن يقبلبالخسارة في الحرب على أوكرانيا، ولن يتنازل عنأهدافه من الحرب، وعلى رأسها منع انضمامأوكرانيا للناتو، والاعتراف باستقلال المناطقالأوكرانية التي احتلتها موسكو، والأهم السير نحوبناء عالم متعدد الأقطاب تكون فيه روسيا قطبامتحكمًا في جواره الجغرافي.
وتأتي التحديثات هذه أيضا في ظل الحربالإسـرائيلية ضد غـزة في فلسطين، فمع بداية عمليةطوفان الأقصى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، شنت إسرائيلحربًا مدمرة، ووحشية، ضد سكان غزة، ومن المتوقعأن تستمر هذه الحرب لفترة طويلة، وتتحول لحربإقليمية في الشرق الأوسط بين ما يسمى محورالمقاومة (إيران والفصائل الميليشيات والأحزابالتابعة لها في لبنان والعراق وسوريا واليمن)، وبينإسرائيل مدعومة من الغرب بقيادة أمريكا.
وأيضا تأتي التحديثات مع توقعات بأن تحاولالصين غزو تايوان، فتفتح جبهة ثالثة من الحرب فيبحر الصين الجنوبي بين الولايات المتحدة الأمريكيةوبين الصين.
والسؤال الأهم هنا، ماذا لو وقعت الحرب العالميةالثالثة اليوم، أين سيكون موقعنا وموقفنا منها كدولوشعوب شرق أوسطية؟
هذه الأعداد المرعبة، ١٢١٢١ وأكثر، من الرؤوسالنووية في العالم قادرة على تدمير الكرة الأرضيةلعدة مرات، فتهدم كل الإنجازات الحضارية البشريةعلى مر القرون. ولأننا لا نمتلك السلاح النووي،وبالتالي لا نمتلك استراتيجية الردع النووي أمام أيدولة نووية، ولأننا نقع في قلب الأحداث السياسيةالصاخبة في العالم، ولأننا كنا وما زلنا لا نمتلكخياراتنا الاستراتيجية والسياسية وتتحكم دولالعالم الكبرى بنظمنا السياسية الحاكمة، فوقوعالحرب النووية ستنهينا من الوجود تمامًا. سنصبحكأننا لم نكن.